وكم كانت خيبة أمله شديدة عندما تفاجئه الأيام بخلاف ذلك!
إن طيبة قلب الخليلي، وسماحة خلقه، وصدقه، ونزاهة ضميره ويده ولسانه، وترفعه عن الدنايا، وزهده في صغريات الحياة التي يسيل لها لعاب الآخرين، ورفضه الرشوة واستغلال النفوذ، تجعله أقرب إلى النساك والزهاد والمتصوفة في صفاته الخلقية، لقد كان يصفح عمن أساء إليه، ويدعو الله تعالى أن يمنحه الغفران والهداية. وكان متمسكا بتطبيق مبدأ العدالة في حياته اليومية بين أفراد أسرته، فقد كان يرفض المحاباة والتمييز الذي يراد أن يتمتع به رب الأسرة على حساب باقي أفرادها، ويصر على ضرورة الالتزام بمساواة الجميع في المعاملة.
لقد كان تواقا إلى أن يرى بلده وهو آخذ بأسباب التقدم والنهوض والرقي، وليصل إلى مستوى الشعوب الأكثر تقدما، وكان ذلك مدعاة لحث أبنائه على الالتحاق بالجامعات الفرنسية، ليستزيدوا من مناهل العلم والمعرفة، واقتباس خير ما ينفعهم وينفع وطنهم ومجتمعهم. وكان شديد الحرص على حفاظ أبنائه على جوهر عقيدتهم، وعدم زعزعة جذور إيمانهم التي وحدها توفر لهم المناعة ضد شرور الآخرين.
ورغم شعوره في أحيان كثيرة - ولا سيما في أخريات أيامه - بما يشابه اليأس من إمكانية الإصلاح ووقف الانهيار والتردي في مجتمعه، فإنه لم يفقد الأمل من إمكانية انتشاله من هوة التخلف التي انزلق إليها، وإمكانية الجيل الجديد في الإسهام في تجنب هذه النهاية المظلمة، ومعالجة الخلل الذي أصاب علاقات المجتمع بنظامه وبين أفراده.