زال الخوف على الشيعة موجودا في وقت ظهور أئمتهم ولم يذهب شدة الخوف عنهم ويحصل لهم بعض الأمن في الجملة إلا من بعد اختفاء الحجة (عليه السلام) واستتاره حيث أخاف الطواغيت سبيله وعلم الظلمة أن لا إمام ظاهر للشيعة فهناك حصل الاختلاف لهم لعدم الوصلة إلى الإمام الذي يزول الاختلاف ببيانه ولم يبق إلا الأخذ بما روي عن آبائه وهو على ما وصفنا لما ذكرنا فبقي الاختلاف الأول قائما كما هو، ومع هذا فإنا نقطع بأن كل مسألة اختلفنا فيها أن أحد الأقوال فيها هو حكم الله إلا أنا لا نعلمه بعينه فليس اختلافنا كسبيل اختلاف الخصوم لأن خلافهم واختلافهم حصل من اعرضاهم عن قول الحجة، واختلافنا مسبب عنه لحسن نظره إلينا، وأقوالنا لا تخلو من الحق وأقوالهم تخالفه دواما أو غالبا فافترقت الحال بيننا وبينهم وحصل العذر لنا ولم يحصل لهم فإن قالوا: إنكم وافقتمونا في زمان غيبة إمامكم في الاجتهاد فأنتم مثلنا قلنا لهم: ولا سواء فإن اجتهادنا باستعمال قوانين نصبها لنا الحجة (عليه السلام) في تميز الحق من الباطل بقدر وسعنا وطاقتنا واجتهادكم باستعمال الأقيسة التي اخترعها إبليس واحتج بها على جواز ترك السجود لآدم والآراء التي نصبها لرد أمر الله تعالى وبين الوجهتين غاية البعد، وأيضا أن اجتهادنا في تحصيل حكم الله ممن قوله الحجة فنعذر بعد بذل الجهد إن أخطأنا واجتهادكم أنتم في تحصيل غير حكم الله إذ لا حكم له في تلك الواقعة عندكم فاجتهادكم لا لإحداث حكم لا يعرفه الله قبل ذلك بزعمكم ليحكم به عليكم وهو مع ما فيه من الزلل العظيم تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإيجاب ما لم يوجبه الله أو تحريم ما لم يحرمه، فالخطأ لازم له على كل حال، والمعذورية مرتفعة على جميع الأحوال لأن حكم ما لم يحرمه الله ولم يوجبه الإباحة البتة فإيجابه أو تحريمه خلاف حكم الله فكان اجتهادنا غير اجتهادكم فاجتهادنا مقدمة للواجب وهو تحصيل حكم الله في الواقعة واجتهادكم لإخراج المباح عن الإباحة والتكليف بما لم يكلف الله به
(٦٧)