أقول لك (1) وقد ذكر (عليه السلام) ذلك كثيرا واعتذر لا عن تركه مناهضة القوم بخوف أن تقع ثلمة في الإسلام لا تلتئم في جملة من خطبه وكلماته كما هو مذكور في نهج البلاغة وغيره، ويكفي من ذلك هنا قوله في الخطبة التي رواها أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن جنادة وهو: (أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله) قلنا، نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا (صلى الله عليه وآله) فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر، ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم) (2) الخطبة.
وفي أخرى رواها الكلبي: (إن الله لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالاسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن يعكسه أقل خلق) (3) الخطبة.. ذكرهما جميعا ابن أبي الحديد في شرحه وهما صريحتان فيما نقول من اغتصاب القوم حقه وميراثه، وإنه ترك قتالهم حذرا من زوال كلمة الإسلام، وعود الأمر إلى إنكار الربوبية والرسالة، ومن المتيقن أن إنكار الإمام مع الإقرار بالله وبالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن أوجب الضلال إلا أنه أقل قبحا وأهون