(عليه السلام) إذ لم يقاتل القوم بنفسه حين لم يجد الناصر مصوبا لهم ولا مرتكبا للمحظور بترك الانكار لما بيناه من لزوم القبح في تكليفه بالقتال منفردا فكان الواجب عليه إذ ذاك أن يصبر ويكف ففعل ما وجب عليه كما هو شأنه.
الرابع إنه (عليه السلام) خاف من قتالهم بنفسه انمحاء دعوة الإسلام، وارتداد العرب وذلك أن الناس حديثو عهد بجاهلية، ولم يرسخ الإسلام في قلوبهم، على أن أكثرهم إنما أسلموا كرها وأنهم إذ جاءهم خبر وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أظهر قوم الفرح، وارتدوا، وآخرون انتظروا حال أهل المدينة من الصحابة هل يكون فيهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من يقوم بهذه الدعوة ويكون مطاعا متبوعا أم لا؟ فإن لم يصر أحد بهذه المثابة ارتدوا ظاهرا، والأقل منهم من هو متمسك بالاسلام بنية صحيحة إلا أن دوامها لا يكون إلا باستمرار الدين عند أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا شك أن الجماعة الذين توثبوا على أخذ حق أمير المؤمنين (عليه السلام) قد صحت عزائمهم في قتاله إن نازعهم في الأمر ولم يسالمهم، فيلزم حينئذ من قتالهم بنفسه إما قتله (عليه السلام) كما وجهناه في أول الوجوه، أو أن يبيدهم من جديد الأرض فتجد العرب إلى ارتدادها سبيلا وتتخذ هذا الأمر على بطلان هذا الدين حجة ودليلا ويعود الأمر إلى الجاهلية الأولى، ويفسد ما أصلحه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وينهدم ما بناه في ثلاث وعشرين سنة في ساعة واحدة، وقد دل على ذلك ما رواه ابن أبي الحديد من أن فاطمة (عليه السلام) حرضت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما على النهوض والوثوب فسمع صوت المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها: أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟ قالت: لا قال: فإنه ما