الثاني إنا وإن قلنا في علي (عليه السلام) من الشجاعة ما قلنا إلا أنه لم يقل منا أحد بأنه أقوى بأسا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا أمضى منه عزيمة في إنفاذ أمر الله، وقد علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بقي في مكة ثلاث عشرة سنة من بعد المبعث وهو يؤذي ويشتم ويكذب ويرتكب منه القبيح ويطلب قتله مع وجود جماعة عنده قد اتبعوه ومنهم علي (عليه السلام) لكن لا يقومون بقتال أعدائه فلم يكلفه الله بجهاد ولا أمره بقتال، بل أمره بالكف وذم من أراد فتح باب الحرب هناك من أصحابه بقوله تعالى: [ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة فلما كتب عليهم القتال تولوا] (1) الآية فلما وجد الأعوان وحصل الناصر بعد الهجرة أمره الله بقتالهم، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة (2) لأمير المؤمنين (عليه السلام) يجب عليه الكف عند عدم الناصر والجهاد في طلب حقه عند وجود المعاون، لم يكن الله ليكلفه بما لم يكلف به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيوجب عليه القتال بنفسه منفردا، ولو جاز ذلك لوجب أن يكون أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله) لأن شدة المشقة في التكليف توجب زيادة الثواب وهذا باطل عندنا، واعتقاده كفر صريح، بل المحقق أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل المخلوقات، وأن تكليفه أشد مشقة من تكليف علي كوجوب المجاهرة بالحق، ورفع التقية، ووجوب صلاة الليل عليه، وغير ذلك من خصائصه المذكورة في كتب الفقه قال علي (عليه السلام) (إنما أنا عبد لمحمد) لما قال له يهودي أنبي أنت؟ وعلي (عليه السلام) لم يقعد عما وجب عليه فإنه طلب الناصر على ظالميه واستصرخ الناس للمعونة على
(٥٤٧)