غاصبيه كما صح باتفاق النقل من طريق الرواية فلما لم يجد معينا يعينه، ولم يظفر بمساعد يساعده كف متأسفا وأغضى حزينا، ألا تراه كيف يقول:
(فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى وشربت على الشجى (1) وأقواله في هذا المعنى كثيرة قد تقدم جملة منها، فلم يزل كافا وهو يتجرع الغيظ والغصص كما كف النبي (صلى الله عليه وآله) عن قتال أهل مكة قبل الهجرة إلى أن وجد الأعوان على الحق بعد قتل عثمان فبادر إلى قتال من أراد إحياء الضلال، واتخاذ دين الله عوجا، مشمر الذيل ماضي العزيمة، كادحا نفسه في إعلاء كلمة الله، باذلا جهده في إقامة عمود الدين، مستفرغا وسعه في إزالة الفساد من الأرض، ألا تسمع قوله: (والله لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي) (2) فكفه أولا ليس إلا لعدم وجود الناصر، وقتاله أخيرا لم يكن إلا لوجوده المعين، وما كان كفه عن قتال الأولين تصويبا لهم فيما ارتكبوه، ولا تصحيحا لما فعلوه، ومما يوضح هذا المعنى ويؤكده أن عليا (عليه السلام) مع مضي عزيمته وإجماعه على قتال معاوية كف عن قتاله بعد رفع المصاحف في صفين مع علمه وتصريحه لصحبه أن معاوية وأهل الشام لم يريدوا حكمها وإنما رفعوها خديعة وذلك لمخالفة جماعة كثيرة من أصحابه أمره بالمضي في الجهاد وطلبهم الموادعة، وميلهم إلى المحاكمة، وما ذاك إلا لأن من بقي على طاعته من أصحابه لا يقوم في ذلك الوقت بقتال الخارجين منهم عن الطاعة، وقتال أهل الشام، ثم كفه بعد تحكيم الحكمين عن قتال معاوية ومعاوية يغزوا أطرافه، ويشن الغارات على أعماله، ويتغلب على بعض بلاده كمصر