إنما هو استمراره، وليس المقصود أولا وبالذات السؤال عن استمرار ذلك الفعل إلا أن يدخل من جهة اللزوم فأتى الجواب على طبق السؤال بأنهم لم يدفعونا عن هذا المقام ويستبدوا علينا به لسبب أوجب ذلك، ولا لعلة اقتضته من طريق الشرع، وإنما كان ذلك لشح نفوسهم عن تسليم حقنا إلينا، وقصدهم الاستيثار به علينا، وهذا القول من جملة مبطلات ما تعلل به قوم من أن الأولين إنما عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين خوفا من انتقاض العرب عليه، إذ لو كان ذلك من قصدهم فضلا عن أن يكون صحيحا موجبا لما فعلوا لذكره (عليه السلام) فيما دعاهم إلى دفعه عن مقام أخيه وابن عمه (صلى الله عليه وآله)، وإن خطأهم بعد فيه لكن ذلك لم يكن، وقد عرفت ما قررناه أن الكلام سؤالا وجوابا لا يختص بيوم الشورى كما ادعاه ابن أبي الحديد، بل لا يتوجه السؤال إليه إلا تابعا للأمر الأول ولا الجواب إلا كذلك، على أنه لا يندفع عن المعتزلي المعاند الوهن في مذهبه بما ادعاه لأنه إذا ثبت ظلم أهل الشورى عليا (عليه السلام) من جهة تقديمهم في مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غيره لأنه الأحق به من غيره ثبت أن أهل السقيفة ظلموه لذلك بالاجماع إذ لا قول بالفصل بين عثمان ومن قبله فكل من صحح بيعة عثمان صحح بيعة الشيخين وكل من أبطل بيعته أبطل بيعتهما وبالعكس، فعلى صحة دعواه لا يصح مذهبه كما ترى.
ونحن نذكر هنا ما حكاه من سؤاله النقيب أبا جعفر العلوي وإجابة النقيب إياه فإنه كلام جيد، وجواب متين، ونكتفي به في تمام تقرير الخبر قال المعتزلي: وسألت أبا جعفر يحيى بن محمد العلوي نقيب البصرة وقت قرائتي عليه عن هذا الكلام وكان (رحمه الله) على ما يذهب إليه من مذهب العلوية منصفا وافر العقل، فقلت له: من يعني (عليه السلام) بقوله: (كانت إثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين)؟ ومن القوم الذين عناهم الأسدي بقوله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟