رد واحد منهم بيعته إلى أن جاءتهم عائشة وطلحة والزبير فتنوهم عن دينهم وأدخلوهم في الضلالة وزينوا لهم الفرقة وشق العصا بالشبه والخدع فلولا مجئ عائشة والزبير وطلحة وتحميلهم إياهم على نكث البيعة وخلع الطاعة لكانوا ماضين عليها، ومستمرين على العمل بموجبها ومتحققين بها غير مستنكفين عنها ولا مرتابين فيها، وأولئك أهل الشام لو لم يزين لهم معاوية الشقاق ويعينه على ذلك عمرو بن العاص علم النفاق فيدعوهم إلى الخلاف ويحملاهم على عدم الوفاق ويغمساهم في غمرات الغواية، ويسدا عليهم طريق الهداية بما ألقيا في قلوبهم من التشبيهات والتسويلات وملأا به أسماعهم من الأباطيل والأضاليل، وقرعا به آذانهم من الأقاويل الملفقة والأكاذيب ما نازعه منهم منازع ولا صرفهم عن المسارعة إليه صارف، ولا منعهم عن بيعته والقيام بواجب طاعته مانع، بل لو خيروا ابتداء قبل الشبه عليهم لما اختاروا غيره ولا عدلوا به سواه، ولولا صفين لما كانت النهروان ولا ما بعدها من الحروب، فالاختلاف على أمير المؤمنين إنما جاء من قبل أولئك ولولاهم لأدت الناس جميعا إليه الطاعة، واستقاموا له غاية الاستقامة، وبذلوا له الجهد في النصيحة، ثم لا تمضي برهة من الزمان حتى يتبين للناس في أمر الإمامة الرغوة من الصريح، ويتضح لهم الظالم والمظلوم، ولكن أولئك أفسدوا الأمر عليه ومنعوا العرب الثواب الجزيل في الاجتماع عليه، والطاعة لأمره، وأدخلوهم في العقاب الأليم الطويل بالتفرق عنه ومعصيته، وسبب ذلك كله الأولون كما سمعت وبذلك يصرح قوله في الخبر: (وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا) وذلك لصرف أولئك الأصحاب وجوه من أطاعهم من الناس عن مودة أهل البيت وولايتهم، وذلك لشدة بغضهم لأمير المؤمنين، فما زال أهل البيت في جفوة من القوم لأجله كما هو صريح قول النبي (صلى الله عليه وآله) فاعتذارهم عن تقدمهم عليه بانتقاض العرب عليه لو ولى الأمر بعد النبي (صلى الله عليه وآله) عذر باطل
(٤٧٢)