الجمل وصفين والنهروان لأن عليا (عليه السلام) إذ ذاك لم يوص بالصبر ولم يصبر، بل أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين بصريح النصوص، ومنها ما سبق ذكره فوضع السيف في نحورهم، وترك للسيدان لحومهم وجرعهم كؤس المنية بحدود المشرفية، وإنما أمر بالصبر وصبر في تغلب الثلاثة على الأمر فهم المعينون بالضغن بلا مرية.
ومنها ما رواه عن أبي جعفر الإسكافي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة فوجد عليا نائما فذهبت تنبه فقال: (دعيه فرب سهر له بعدي طويل ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة) فبكت فقال: (لا تبكي فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي) (1) والتقرير قريب مما مر ولقد صح ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله) من حصول الجفوة لأهل البيت في تأمر الثلاثة فإنهم لم يدعوا طليقا كيزيد بن أبي سفيان ومعاوية وابن أبي سرح، ولا متهما ولا ظنينا كالوليد بن عقبة وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وأشباه هؤلاء وأضرابهم، ولا متهتكا في دينه معروفا بالهزل في الإسلام كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وأمثالها إلا ولوه ولاية ونال من جهتهم إمارة جيش أو بلد وجباية، ولم يولوا أحدا من بني هاشم شيئا من ذلك بل ما زالوا يبعدونهم، ويقصونهم ليكونوا محقورين ويهون أمرهم على الناس، ويكونوا في زاوية الخمول فيصيروا منسيين غير مذكورين، ومخفيين غير مشهورين، كل ذلك ليخفى فضل علي (عليه السلام) لأن أهل البيت لو ظهروا لأظهروا فضله، ونشروا مناقبه، فمالت الناس إليه، ورغب أهل الدين فيه، فانعكس على القوم ما أرادوا واختل عليهم ما دبروا فلذا جفوهم وأقصوهم فكان ذلك من أجله، وهذا يرشدك إلى بطلان ما اعتذر به ابن أبي الحديد وغيره تبعا لأسلافهم فقالوا: إن عليا