بأحد الوجهين المذكورين فأمر ظاهر لا يحتاج إلى البيان فيثبت المطلوب.
الثاني أن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) تقتضي التنصيص على الإمام وذلك أنه أشفق على الأمة من الوالدة على ولدها حريص على إرشادهم وهدايتهم ولهذا علمهم الأمور الجزئية حتى ما يتعلق بقضاء الحاجة والاستنجاء وما شاكل ذلك، وقد وصفه الله بالرأفة بالمؤمنين والحرص على إرشادهم في الكتاب المبين، في قوله تعالى: [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز علي ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم] (1) فمن كان بهذه المثابة من الشفقة على الأمة والرأفة بهم لا يجوز في العقل أن يتركهم من غير أن يبين لهم مفزعهم ومن يرجعون إليه في أمور دينهم ودنياهم فتحصل لهم بترك بيانه في دينهم الحيرة وتعتريهم في أمورهم الجهالة والشبهة، كلا إن العقل يحيل ذلك عن النبي الرؤف الرحيم بالأمة، الذي اعتنى ببيان أمور لا نسبة لها بالإمامة ولا تعد شيئا بالنسبة إلى الخلافة فكيف يهمل الأمر الأهم من لم يهمل الأمور الجزئية من المستحبات والمكروهات، على أن أبا بكر ما جوز لنفسه ترك بيان خليفته، وعمر بين أن الخلافة بعده جائزة لستة وجعل الرأي لواحد منهم ولم يجوز لنفسه ترك بيان من يصلح بعده للخلافة، أفترى النبي (صلى الله عليه وآله) يقصر في إصلاح الأمة عن الرجلين وهو على ما علم من حاله في الشفقة بالأمة ومن منصبه في إبلاغ الفرائض التي أعظمها وأجلها الإمامة إليهم؟ وحيث أن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقتضي التنصيص وجب أن يكون الإمام منصوصا عليه.
الثالث أن الاختيار يؤدي إلى التنازع ويفضي إلى التجاذب لاحتمال أن يختار كل فرقة من الناس رجلا للإمامة فتقوم الفتنة بين الأئمة وأصحابهم على