عذر إلا مكابرا مال عن التحقيق وتنكب قصد الطريق بالشبهة وحاد بسوء النظر عن سواء المحجة فتاه في فيافي الضلالة، وارتكس في غمرات الفتنة ممن جعل شهوة نفسه أمام عقله، وصير الخطأ صوابا بجهله واقتصر من الدليل على حقية مذهبه وتصحيح طريقته على تقليد الأسلاف وحسن الظن فيمن تحقق منهم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخلاف، ممن حقت عليهم كلمة العذاب بتركاضهم (1) في مهاوي الشك والارتياب وتهافتهم على الدنيا تهافت الفراش والذباب، فخالف الرشاد على عمد وسلك فج الهلاك مقدرا للسلامة والنجاة، وليس إعراض المعاند عن الهدى بناقض للحق ولا حجاج المكابر بمبطل للصدق ولا إنكار الجاحد بموهن لما أقامه أصحابنا من الدليل ولا بمبهم لما أوضحوه في تلك الزبر من نهج السبيل، بل كان ما زبروه كافيا وما رقموه شافيا، وإنما أنكره من انحرف فهمه كما ينكر الماء العذب من انحرف مزاجه والداء إنما هو منه لا من الماء، فشكر الله مساعيهم الجميلة وضاعف مثوباتهم الجزيلة، وجعلنا من المنتظمين في سلك عقدهم والواردين صافي وردهم، بيد (2) أن التصنيف الحادث لا يفقد فائدة اهملها الأولون والتأليف الجديد لا يعدم التنبيه على دقيقة أغفلها السابقون، لاستغنائهم عن إيرادها في ذلك الزمان وتجدد الحاجة إليها في هذه الأزمان، فلذا تجشمت هذه الخطة وخضت هذه اللجة وولجت هذه الغمرة، مع قلة البضاعة وكثرة الإضاعة، ومكابدة المحن ومعاناة صروف الزمن وتوارد الهموم وتتالى الغموم وغربة
(١٥)