قبلها، ذلك أن بنية العقيدة أقوى من أن تحطمها الرضوض والآلام.
أكلت الحروب بين علي وخصومه عددا كبيرا من المسلمين ولم يكن متوقعا أن يحدث ذلك على وجه من الوجوه إلا أن اتساع الملك والسلطان كان يقتضي ذلك، وكان يقتضي غيره من ألوان الصراع... وكانت هذه المحن - في رأيي - هي درجة الغليان التي أحاطت بالدين الجديد فحفظت الشعب أن ينهار أمام الحضارات المجاورة، وأمام الفتوحات الوسيعة المدى بما تحتويه من أفكار جديدة واتجاهات متعددة مختلفة الألوان والأحجام.
إن علينا أن ندرس كل أولئك حين ندرس شخصية هذا البطل العظيم في تاريخ الإسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وعلينا أن نعلم: أن انفصام عرى الوحدة بين المسلمين، وتفرقهم في الآراء والمذاهب والأحزاب كل ينصر رأيه بالقول وبالعمل على رأي خصمه، وكل يصارع في سبيل عقيدته هذه أو تلك بالفكر حينا وبالسلوك أحيانا، وعلينا أن ندرك أن هذا كله وغيره ليس إلا دلائل صحة، لا دلائل وهن أو هزيمة، وأن الصراع دائما يدل على اليقظة لا على الموت، ما دام لا يفضي إلى انشقاق في صفوف الأمة، أو مواجهة عدائية بين الطوائف.
وقد اكتمل الدين حينما اكتمل نزول القرآن، ولقد كان الإسلام على عهد الرسول دعوة وفكرة - أكثر منه دولة وسلطانا، وإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أقام دولة على أساس من التشريع القرآني، فقد كانت دولة صغيرة الحدود على أية حال، ولكنها كانت نوبة قوية، قابلة دائما على النمو والازدهار، وبقي أن تكتمل الدولة بعد ذلك فتوسع من آفاقها وتنشر من سلطانها على هذه الأسس السليمة، كانت نواة في مثل صلابة " الجرانيت " يحمل لواءها نفر من المؤمنين الأتقياء لا يبالون أين يكون