خيط أدق من الشعرة، وأحد من الشفرة، لو أمن راكبه أن يقطعه فيهوى به من حالق لما سلم من نكاية الجروح!..
ولست أغالي.. فلي في هذا المجال تجربة قديمة، خرجت منها مغموزا في رأيي، مطعونا في عقيدتي، من رهط - سامحهم الله! - يرون في كل إعمال فكر، ونقاش حر، والتزام بمنطق العقل، في معالجة بعض الأحداث البانية لتاريخ الإسلام، خروجا عن الجادة السوية.. ولم تكن تهمتي يومئذ التي بي ألصقوها، ومن أجلها غمزوني وطعنوني، سوى أنني - في كتابي: " الإمام علي بن أبي طالب " - قد عمدت إلى استقراء الوقائع واستنبائها ما تكن من مغازيها. وإلى تحصيل أقوال الرجال الذين صنعوها أو أسهموا فيها، أو عايشوها..
فلما أن قادني البحث والتقصي إلى رأي ارتأيته في سلوك بضعة نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعاصريه، أقروا هم به، قبل المئات العديدة من السنين من تناولي إياه ونظري فيه، هاجمني من ذلك الرهط من الكتاب المحدثين من استهواه نزغ الهجوم، فشنأني شانئون، وتخرص متخرصون، ورماني رماة بالتطاول الآثم على مقام طائفة زائدة - كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابن العاص وغيرهم - من ذوي القدمة أو البلاء أو المكانة في المجتمع الإسلامي المتقدم، مشهود لهم - ولا أدري ممن - بالعصمة!.. ويشهد الله أنني، وإن عرضت لهم، لم أعرض بهم - وإن تناولت جوانب من حياة بعضهم، فتناولي لم يكن افتتانا عليهم، ولا هضما لهم أو لغيرهم من صانعي التاريخ الإسلامي إبان فجره.. إنما قد رسمت صورهم بريشة ناقد لا حاقد. وذكرت سيرهم مقرونة بالحق كما تبينته، وكما قادني إليه اجتهاد بحثي.. ما تأولت على أحد منهم غير رأيه. ولا تقولت غير قوله. ولا أخذتهم فرادى وجمعا إلا بالمعلوم المشهور من نصوص أحاديثهم ودعاواهم، وضروب فعالهم وسلوكهم التي حفظتها لنا بطون الأسفار.. فكيف ألام؟