ثم إن الملاك المتقدم وإن كان موجودا في المشمومات والمذوقات والملموسات، فإنها أيضا حاضرة لديه سبحانه كالمسموعات والمبصرات، لكن لما كان إطلاق هذه الأسماء ملازما للمادة والإحساس في أذهان الناس، لم يصح إطلاق اللامس والذائق والشام عليه.
ومن الغايات التي يرشد إليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف بالسميع والبصير هو إيقاف الإنسان على أن ربه سميع يسمع ما يتلفظه من كلام، بصير يرى كل عمل يصدر منه فيحاسبه يوما حسب ما سمعه ورآه.
ثم إن بعض المتكلمين قد عد الإدراك من صفاته تعالى والمدرك - بصيغة الفاعل - من أسمائه، تبعا لقوله سبحانه:
(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). (1) ولا شك أنه سبحانه - بحكم الآية الشريفة - مدرك، لكن الكلام في أن الإدراك هل هو وصف وراء العلم بالكليات والجزئيات؟ أو هو يعادل العلم ويرادفه؟ أو هو علم خاص؟ والأقرب هو الأخير وهو العلم بالموجودات الجزئية العينية، فإدراكه سبحانه هو شهود الأشياء الخارجية ووقوفه عليها وقوفا تاما.
قال سبحانه:
(أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد). (2)