ولكن لا يلزم من فضل ذلك وحسنه أن تكون الكتابة محرمة شرعا، ومنهيا عنها! إذ لا ملازمة بين الأمرين، فلذا كان بعضهم يكتب فإذا حفظ محا، كما نقله القاضي عياض.
وعلى فرض أنهم كانوا يكرهون الاتكال على الكتاب - ومجرد الكراهة لا تعني الحرمة الشرعية، بل تعني عدم الرغبة فيها - فسببه - كما يتوهم أن ذلك يؤدي إلى ضعف الحافظة لدى الكاتب، ويوهن من عزمه على الضبط في الخواطر، لأن ما يريد حفظه مسجل في الكتاب.
فضنا منهم بقوة الحفظ - هذه الخصلة الحسنة - ألا تزول عنهم، كانوا يكرهون الكتاب، وذلك لا يعني مطلقا حرمة الكتابة شرعا.
فوجود هذه القوة دليل على عدم لجوئهم إلى الكتابة لرغبتهم عنها - إن صح التعبير - لا على حرمتها شرعا.
قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق: الحفظ والكتابة يتناوبان في المحافظة على الشرع، وفي الغالب يضعف أحدهما إذا قوي الآخر، ومن هنا قد نفهم سببا من الأسباب التي حملت الصحابة [وليس الرسول] على حث تلاميذهم على الحفظ، ونهيهم إياهم عن الكتابة!
وذلك لأنهم كانوا يرون أن الاعتماد على الكتابة تضعف فيهم ملكة الحفظ، وهي ملكة طبعوا عليها، والنفس تميل إلى ما طبعت عليه، وتكره ما يخالفه ويضعفه (1).