قلت: ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين، فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركا والعياذ بالله أو تابعا لسنن المشركين، والإصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيرا ما يكون من الغفلة عما جنته يد الافتعال.
ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالى عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الأحكام، إنما أورده في هذا الكتاب طردا للباب، ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهى.
ثم كرر الأستاذ الغفاري رأيه في ج 4 ص 368 فقال:
قال المصنف (رحمه الله) في الخصال (ص 27 باب الاثنين) قد اختلفت الروايات في الذبيح، فمنها ما ورد بأنه إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه، فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحا، لتمنيه لذلك. انتهى.
أقول: على هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق: أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز، مع أن كليهما لم يذبحا بعد. وتقدم فيه كلام ج 3 ص 89 والإشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الأب على العم شايع، وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق (عليه السلام) في قول النبي (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم، لأن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله: أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أبا، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): العم والد. فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز. انتهى.