- والجواب على ما ذكره الأستاذ الغفاري:
أولا: أن الرواية التي استدل بها الصدوق على أن إسحاق ذبيح أيضا مجازا، عامية ضعيفة، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاري نفسه من حيث لا يدري كما سترى!
ثم إن إطلاق العم على الأب في اللغة وإن كان أمرا شائعا، ولكن لا ينطبق على قول القائل (أنا ابن فلان) مفتخرا أو مباهيا، لأن المتبادر منه الافتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالى، لا من أعمامه، وإلا لقال: أنا من قوم فيهم ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين.
كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي على إسحاق أيضا ضعيف لغة، لأن كلمة ( الذبيح) لا تصدق إلا على من قصدوا ذبحه لله تعالى قصدا عمليا حقيقيا ورضي به، ولو كان يكفي لإطلاقها مجازا أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق، لصح أن تطلق على كل آباء النبي أو جلهم، بل على كثير من المؤمنين، لأن أكثر الأنبياء والأوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به.
فارتكاب المجاز في معنى الابن وجعله العم، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحا.. خلاف الظاهر جدا، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل من معناها!
ثانيا: لعل الغفاري لم يطلع على تاريخ القربان لله تعالى في الشرائع الإلهية السابقة، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الأنعام، وكان من المشروع أن يقدم كبار المؤمنين أحد أولاده قربانا لله تعالى، وعلى أساسه كان منام إبراهيم (صلى الله عليه وآله).. ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الإسلام.
فالمشركون لم يخترعوا القربان لأوثانهم، وإنما أخذوه من الأديان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالى. وما عابه الله تعالى عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للأوثان.