فإن تم دليلهم وبطل القياس لا يبطل دليلهم، لأن مثل قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم... وإن الظن لا يغني من الحق شيئا....) إلخ. ليس ظنا ولا عملا به حتى يبطل، بل قاعدة يقينية، لا يخرج القياس من تحتها إلا بدليل قطعي.
خامسا، افترض الغزالي وغيره أن الصحابة معصومون، فإن تعارض النقل عنهم فلا بد أن نقبل طرفا ونرد الآخر، أو نؤول أحدهما أو كليهما لننفي عنهم التناقض! لكنه يعلم أنهم وقعوا في التعارض والتناقض، فقد حرموا العمل بالظن قولا، وارتكبوه عملا! وقد ثبت ذلك عن عمر وغيره بأصح الروايات! فالمشكلة تعارض قول أشخاص وعملهم، ولا يمكن للغزالي أن يحيك لها سترا!
سادسا، حاول الغزالي تأويل نهي عمر وغيره عن الرأي والعمل بالظن، بجعله تحريما خاصا ببعض أنواع الظن، فقال: (فيحمل ما أنكروه على الرأي المخالف للنص... الخ.)، ولكن كلامهم في ذلك مطلق أو عام لا يقبل التأويل!
وكيف يمكنه تأويل قول عمر الذي نقله الغزالي نفسه: (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا). فقد دعا فيه عمر صريحا إلى التقيد بالأحاديث، وحرم القول بالرأي مطلقا!
من تهافت الغزالي وغلوه!
قال في المستصفى ص 292: (الاعتراض الخامس: أن الصحابة إن قالوا بالقياس اختراعا من تلقاء أنفسهم فهو محال، وإن قالوا به عن سماع من النبي عليه السلام فيجب إظهار مستندهم والتمسك به، فإنكم تسلمون أنه لا حجة فيما أبدعوه ووضعوه، ونحن نسلم وجوب الاتباع فيما سمعوه، فإنه إذا قال عليه السلام: إذا غلب على ظنكم أن مناط الحكم بعض الأوصاف فاتبعوه، فإن الأمر كما ظننتموه!
والجواب من وجهين: أحدهما، أن هذه مؤونة كفيناها، فإنهم مهما أجمعوا