ولكن هذا خطأ، فإن نهي عمر مثلا عن الرأي متواتر، وعمله به متواتر أيضا!
وليس معنى التواتر إلا نقل جماعة متعددة يمتنع عادة اجتماعهم على الكذب، وهذا متحقق في تحريم عمر للرأي والظن، ثم في عمله به! وقد أثبتوا التواتر لأقل من أخبار الباب، فلا يصح أن ينفوه عن نهي الصحابة عن الظن! فالنسبة بين نفي الظن وإثباته لهم، التساوي، فلا بد من مرجح، أو الرجوع إلى الأصل.
ثانيا، أضاف الغزالي من عنده شقا ثالثا للنزاع! ففرض أنه يوجد رواية عن الصحابة بتحريم العمل بالظن، ورواية بتجويزه، وتواتر في عملهم بالظن. ورتب عليه أنه إن تعارضت الروايتان وسقطتا، نرجع إلى عملهم المتواتر!
مع أن التعارض إنما هو بين رواية التحريم عنهم ورواية التجويز القولي أو العملي. فافتراض وجود شق ثالث سالم عن المعارضة، تحريف في المسألة.
ثالثا، إن قوله: (ولو تساوت في الصحة لوجب إطراح جميعها والرجوع إلى ما تواتر من مشاورة الصحابة واجتهادهم)، لعب بالألفاظ، فالموضوع هل حرم الصحابة الإجتهاد والعمل بالظن، أم أحلوه وفعلوه؟ فإن تساوى النقل المتعارض عنهم وجب طرح الجميع والرجوع إلى الأصل القرآني وهو تحريم العمل بالظن لا الرجوع كما زعم إلى اجتهاد الصحابة وعملهم بالظن، فإنه أحد شقي النزاع!
رابعا، قوله: (إن بطل كل قياس فليبطل قياسهم ورأيهم في إبطال القياس أيضا، وذلك يؤدي إلى إبطال المذهبين)! فيه مقدمة مطوية كاذبة: وهي أن الذين أبطلوا القياس استدلوا بالقياس، وأنهم كالذين يقولون إن الحقائق نسبية، فإن صح دليلهم أبطل نفسه! مع أنهم استدلوا بالأصل القرآني والظهور الصريح لآياته في تحريم العمل بالظنون، وقالوا لا بد من دليل شرعي يستثني منه القياس، وإلا بقي مشمولا لعموم تحريم الظن.