ولو تساوت في الصحة لوجب إطراح جميعها، والرجوع إلى ما تواتر من مشاورة الصحابة واجتهادهم.
الثاني: أنه لو صحت هذه الروايات وتواترت أيضا لوجب الجمع بينها وبين المشهور من اجتهاداتهم، فيحمل ما أنكروه على الرأي المخالف للنص، أو الرأي الصادر عن الجهل الذي يصدر ممن ليس أهلا للاجتهاد، أو وضع الرأي في غير محله والرأي الفاسد الذي لا يشهد له أصل ويرجع إلى محض الاستحسان ووضع الشرع ابتداء، من غير نسج على منوال سابق.
وفي ألفاظ روايتهم ما يدل عليه، إذ قال: اتخذ الناس رؤساء جهالا، وقال: لو قالوا بالرأي لحرموا الحلال وأحلوا الحرام. فإذا، القائلون بالقياس مقرون بإبطال أنواع من الرأي والقياس، والمنكرون للقياس: لا يقرون بصحة شئ منه أصلا.
ونحن نقر بفساد أنواع من الرأي والقياس، كقياس أصحاب الظاهر إذ قالوا: الأصول لا تثبت قياسا فلتكن الفروع كذلك، ولا تثبت الأصول بالظن فكذلك الفروع، وقالوا: لو كان في الشريعة علة لكانت كالعلة العقلية، فقاسوا الشئ بما لا يشبهه. فإذا، إن بطل كل قياس فليبطل قياسهم ورأيهم في إبطال القياس أيضا وذلك يؤدي إلى إبطال المذهبين). انتهى.
أقول: أولا، نسي الغزالي كغيره أو تناسوا أن المسألة فيها أصل قرآني هو حرمة العمل بالظن، فكيف يبحثها وكأن الدليل فيها قول الصحابة وعملهم فقط!
ثم تفنن في رأي الصحابة، فقال لقد ثبت عنهم بالتواتر أنهم عملوا بالرأي والظن، وروي عنهم رواية أنهم نهوا عنه، فيقدم ما تواتر عنهم على ما رواه آحاد، وهذا معنى قول الغزالي: (فكيف يترك المعلوم ضرورة بما ليس مثله)!