خلاف خادع بين الظنيين!
عندما تقرأ لأتباع الخلافة بحوثهم في تفسيره آيات النهي عن العمل بالظن. وتقرأ للأصوليين منهم بحوثهم المطولة في حجية العمل بأنواع الظنون والاحتمالات، من القياس والاستحسان والمصالح المرسلة.. يبدو لك أن خلافا حقيقيا أو معركة علمية جدية، تدور بين القائلين بضرورة تحصيل العلم ورفض اتباع الظن، وبين القائلين بالعمل بالظن والقياس، وأن أمامهم مشكلة حقيقية في آيات النهي عن اتباع الظن وأحاديثه المحكمة الصريحة، فهم يبحثون كيف يمكنهم تجاوزها والتأسيس لمنهج اتباع الظن؟
كما يبدو لك أنهم أمام مشكلة أخرى، هي أن الصحابة والتابعين المقبولين عندهم، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، صحت عنهم أقوال ومواقف متناقضة، نفوا في بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أنفسهم الإجتهاد والعمل بالظن، بينما نسبوا في بعضها الآخر الرأي والظن للنبي صلى الله عليه وآله وعملوا به هم!
لكن لا يغرك كل ما تقرؤه في هذه المعركة، لأنها من أصلها خادعة! فالنتيجة متفق عليها عند المخالف منهم والموافق، وهي أن آيات النهي عن اتباع الظن يجب نسيانها أو لي عنقها، فالظن في الدين شرعي والنبي صلى الله عليه وآله عمل بظنونه، والخلفاء في عملهم بظنونهم إنما اقتدوا به! ويحق للحكام والمجتهدين والناس، أن يعملوا بظنونهم، ويكون ما غلب عليه ظن أحدهم دين الله تعالى!
أنظر إلى كلامهم الجميل في رد الظنون، ونفي العمل بالظن عن النبي صلى الله عليه وآله قال البخاري في صحيحه: 8 / 148: (باب كان النبي (ص) يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس