لا لأنه كان أولى وأحرى في نفسه، وأقرب وأمس بمصلحة الدين.
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعد ثلاث آيات: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم. إلى آخر الآيتين، فقد كان الأصلح أن يؤذن لهم في التخلف ليصان الجمع من الخبال وفساد الرأي وتفرق الكلمة، والمتعين أن يقعدوا فلا يفتنوا المؤمنين بإلقاء الخلاف بينهم والتفتين فيهم وفيهم ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب، وهم سماعون لهم، يسرعون إلى المطاوعة لهم، ولو لم يؤذن لهم فأظهروا الخلاف كانت الفتنة أشد، والتفرق في كلمه الجماعة أوضح وأبين. ويؤكد ذلك قوله تعالى بعد آيتين: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين، فقد كان تخلفهم ونفاقهم ظاهرا لائحا من عدم إعدادهم العدة، يتوسمه في وجوههم كل ذي لب، ولا يخفى مثل ذلك على مثل النبي صلى الله عليه وآله وقد نبأه الله بأخبارهم قبل نزول هذه السورة كرارا، فكيف يصح أن يعاتب هاهنا عتابا جديا بأنه لم لم يكف عن الإذن ولم يستعلم حالهم حتى يتبين له نفاقهم ويميز المنافقين من المؤمنين. فليس المراد بالعتاب إلا ما ذكرناه.
ومما تقدم يظهر فساد قول من قال إن الآية تدل على صدور الذنب عنه صلى الله عليه وآله لأن العفو لا يتحقق من غير ذنب، وإن الإذن كان قبيحا منه صلى الله عليه وآله ومن صغائر الذنوب، لأنه لا يقال في المباح لم فعلته. انتهى. وهذا من لعبهم بكلام الله سبحانه ولو اعترض معترض على ما يهجون به في مثل المقام الذي سيقت الآية فيه لم يرضوا بذلك. وقد أوضحنا أن الآية مسوقة لغرض غير غرض الجد في العتاب.
على أن قولهم إن المباح لا يقال فيه لم فعلت، فاسد، فإن من الجائز إذا شوهد من رجح غير الأولى على الأولى أن يقال له لم فعلت ذلك ورجحته على ما هو