الإلهية، وإذا حاول التجريبيون بعد ذلك أن ينكروا ذلك المقياس ليبطلوا علينا فلسفتنا. فهم ينسفون بذلك الأسس التي تقوم عليها العلوم الطبيعية ولا تثمر بدونها التجارب الحسية شيئا.
وفي ضوء المذهب العقلي نستطيع ان نفسر صفة الضرورة واليقين المطلق التي تمتاز بها الرياضيات على قضايا العلم الطبيعي، فان مرد هذا الامتياز إلى ان القوانين والحقائق الرياضية الضرورية تستند إلى مبادئ العقل الأولي ولا تتوقف على مستكشفات التجربة وعلى العكس من ذلك قضايا العلم فان تمدد الحديد بالحرارة ليس من المعطيات المباشرة لتلك المبادئ وانما يرتكز على معطيات التجربة، فالطابع العقلي الصارم هو سر الضرورة واليقين المطلق في تلك الحقائق الرياضية.
وأما إذا درسنا الفارق بين الرياضيات والطبيعيات في ضوء المذهب التجريبي فسوف لن نجد مبررا حاسما لهذا الفرق ما دامت التجربة هي المصدر الوحيد للمعرفة العلمية في كلا الميدانين.
وقد حاول بعض أنصار المذهب التجريبي تفسير الفرق على أساسه المذهبي عن طريق القول بأن قضايا الرياضيات تحليلية ليس من شأنها ان تأتي بجديد، فعندما نقول 2 + 2 = 4 لم نتحدث بشيء جديد لنفحص درجة يقيننا به فان الأربعة هي نفسها تعبير آخر عن 2 + 2 فالعملية الرياضية الآنفة الذكر في تعبير صريح ليست الا أن أربعة تساوي أربعة وكل قضايا الرياضيات امتداد لهذا التحليل ولكنه امتداد يتفاوت في درجة تعقيده، وأما العلوم الطبيعية فليست كذلك لان قضاياها تركيبية أي أن المحمول فيها يضيف إلى الموضوع علما جديدا أي ينبئ بجديد على أساس التجربة، فإذا قلت ان الماء يغلي تحت ضغط كذا عندما تصبح درجة حرارته مائة مثلا فاني أفيد علما لان كلمة ماء لا تتضمن كلمة حرارة وضغط وغليان ولأجل ذلك كانت القضية العلمية عرضة للخطأ والصواب.
ولكن من حقنا أن نلاحظ على هذه المحاولة لتبرير الفرق بين الرياضيات والطبيعيات، أن اعتبار القضايا الرياضية تحليلية لا يفسر الفرق على أساس