التي ندركها بحواسنا فان الاحساس بكل واحد منها هو السبب في تصوره ووجود فكرة عنه في الذهن البشري. وتتشكل من هذه المعاني القاعدة الأولية للتصور وينشئ الذهن بناء على هذه القاعدة التصورات الثانوية، فيبدأ بذلك دور الابتكار والانشاء. وهو الذي نصطلح عليه هذه النظرية بلفظ (الانتزاع) فيولد الذهن مفاهيم جديدة من تلك المعاني الأولية. وهذه المعاني الجديدة خارجة عن طاقة الحس وان كانت مستنبطة ومستخرجة من المعاني التي يقدمها الحس إلى الذهن والفكر.
وهذه النظرية تتسق مع البرهان والتجربة ويمكنها أن تفسر جميع المفردات التصورية تفسيرا متماسكا.
فعلى ضوء هذه النظرية نستطيع أن نفهم كيف انبثقت مفاهيم العلة والمعلول، والجوهر والعرض. والوجود والوحدة، في الذهن البشري. انها كلها مفاهيم انتزاعية يبتكرها الذهن على ضوء المعاني المحسوسة، فنحن نحس مثلا بغليان الماء حين تبلغ درجة حرارته مائة، وقد يتكرر إحساسنا بهاتين الظاهرتين - ظاهرتي الغليان والحرارة - آلاف المرات ولا نحس بعلية الحرارة للغليان مطلقا. وانما الذهن هو الذي ينتزع مفهوم العلية من الظاهرتين اللتين يقدمهما الحس إلى مجال التصور.
ولا نستطيع في مجالنا المحدود ان نعرض لكيفية الانتزاع الذهني وألوانه وأقسامه لأننا لا نتناول في دراستنا الخاطفة هذه الا الإشارة إلى الخطوط العريضة.
* التصديق ومصدره الأساسي ننتقل الآن من درس الادراك الساذج - التصور - إلى درس الادراك التصديقي الذي ينطوي على الحكم ويحصل به الانسان على معرفة موضوعية.
فكل واحد منا يدرك عدة من القضايا ويصدق بها تصديقا، ومن تلك القضايا ما يرتكز الحكم فيها على حقائق موضوعية جزئية، كما في قولنا: الجو