* المادة والفيزيولوجيا خذ إليك فيزيولوجيا الانسان، في حقائقها المدهشة، واقرأ فيها عظمة الخالق ودقته، في كل ما تشرحه من تفاصيل، وتوضحه من أسرار. فهذا جهاز الهضم، أعظم معمل كيميائي في العالم، بما يتفنن به من أساليب تحليل الأغذية المختلفة تحليلا كيميائيا مدهشا، وتوزيع المواد الغذائية الصالحة توزيعا عادلا، على بلايين الخلايا الحية، التي يأتلف منها جسم الانسان، إذ تتلقى كل خلية مقدار حاجتها، فيتحول إلى عظام، وشعر، وأسنان، وأظافر، وأعصاب، طبق خطة مرسومة للوظائف المفروضة عليها، في نظام لم تعرف الانسانية أدق منه وأروع.
ونظرة واحدة إلى تلك الخلايا الحية، التي تنطوي على سر الحياة، تملأ النفس دهشة واعجابا بالخلية، حين تتكيف بمقتضيات موضعها وظروفها. فكأن كل خلية تعرف هندسة العضو، الذي تتوفر على ايجاده مع سائر الخلايا المشتركة معها في ذلك العضو، وتدرك وظيفته وكيف يجب أن يكون.
وجهاز الحس البصري، الصغير المتواضع في حجمه، لا يقل عن كل ذلك روعة واتقانا، ودلالة على الإرادة الواعية، والعقل الخالق. فقد ركب تركيبا دقيقا كاملا, لم يكن يتم الابصار بدون شيء من أجزائه. فالشبكية التي تعكس العدسة عليها النور، تتكون من تسع طبقات منفصلة، مع انها لا تزيد في سمكها على ورقة رقيقة، والطبقة الأخيرة منها تتكون من ثلاثين مليونا من الأعواد، وثلاثة ملايين من المخروطات، وقد نظمت هذه الأعواد والمخروطات، تنظيما محكما رائعا، غير أن الأشعة الضوئية ترتسم عليها، بصورة معكوسة، ولذا شاءت العناية الخالقة، ان يزود جهاز الابصار - وراء تلك الشبكة - بملايين من خريطات الأعصاب، وعندها تحدث بعض التغييرات الكيميائية، ويحصل أخيرا ادراك الصورة بوضعها الصحيح.
فهل يكون هذا التصميم الجبار، الذي يضمن عملية الابصار على أفضل وجه من فعل المادة على غير هدى وقصد، مع أن مجرد كشفه يحتاج إلى جهود فكرية جبارة؟