وفكرة (الله) تقوم على مبدأ العلية، ولكن هذا المبدأ لا يمكن التسليم بصحته بزعم (دافيد)، لأن الحس لا يطلعنا على ضرورة بين الظواهر والحوادث، وانما ترجع فكرة العلية إلى مجرد عادة، أو إلى لون من ألوان تداعي المعاني. وهكذا بلغ (دافيد) بالنظرية الحسية والمذهب التجريبي إلى ذروتهما التي يؤديان إليها طبيعيا، وبدلا من أن يبرهن عن هذا الطريق على رفض المبدأ الحسي والتجريبي في الفكر انساق معه حتى انطلق به إلى النهاية المحتومة. ولا نريد أن نناقش (دافيد هيوم) من جديد ما دامت حججه اجترارا من أدلة باركلي وآرائه، وانما نتناول نقطة واحدة وهي العادة التي ارجع إليها مبدأ العلية وكثيرا من العلاقات القائمة بين الأشياء في الفكر، لنتساءل: ما هي العادة؟ فان كانت عبارة عن ضرورة قائمة بين فكرة العلة والمعلول، فهي تعبير آخر عن مبدأ العلية، وان كانت شيئا آخر فهي لا تختلف عن العلية في كونها معنى غيبا ليس لدينا احساس أو انفعال يقابله، فكان يجب عليه رفضه كما رفض جميع الحقائق التي لا يمتد إليها الحس، وقد سبق في نقد المذهب التجريبي الرد على هذا التفسير الفاشل للعلية الذي حاوله (هيوم)، فليلاحظ.
6 - النسبيون:
تعتبر النسبية من المذاهب الفلسفية القائلة بوجود الحقيقة وامكان المعرفة البشرية، ولكن هذه المعرفة أو الحقيقة التي يمكن للفكر الانساني ان يظفر بها هي معرفة أو حقيقة نسبية، بمعنى أنها ليست حقيقة خالصة من الشوائب الذاتية ومطلقة، بل هي مزيج من الناحية الموضوعية للشيء، والناحية الذاتية للفكر المدرك، فلا يمكن ان تفصل الحقيقة الموضوعية في التفكير عن الناحية الذاتية وتبدو عارية عن كل إضافة أجنبية.
وفي النسبية اتجاهان رئيسيان يختلفان في معنى النسبية وحدودها في العلوم البشرية، أحدهما الاتجاه النسبي في فلسفة (عمانوئيل كانت). والآخر الاتجاه