فحين نبرهن على حقيقة من الحقائق بتجربة علمية، أو بقانون فلسفي، أو باحساس بسيط، انما نحاول بذلك أن يكون البرهان، علة للعلم بتلك الحقيقة. فلولا مبدأ العلية والحتمية، لما أتيح لنا ذلك، لأننا إذا طرحنا قوانين العلية من الحساب ولم نؤمن بضرورة وجود أسباب معينة لكل حادث. لم تبق صلة بعد ذلك بين الدليل الذي نستند اليه، والحقيقة التي نحاول اكتسابها بسببه، بل يصبح من الجائز ان يكون الدليل صحيحا، ولا ينتج النتيجة المطلوبة، ما دامت قد انفصمت علاقة العلية. بين الأدلة والنتائج بين الأسباب والآثار.
وهكذا يتضح ان كل محاولة للاستدلال، تتوقف على الايمان بمبدأ العلية، والا كانت عبثا غير مثمر. وحتى الاستدلال على رد مبدأ العلية، الذي يحاوله بعض الفلاسفة أو العلماء، يرتكز على مبدأ العلية أيضا، لان هؤلاء الذين يحاولون انكار هذا المبدأ، والاستناد في ذلك إلى دليل، لم يكونوا يقومون بهذه المحاولة، لو لم يؤمنوا بأن الدليل الذي يستندون اليه، سبب كاف للعلم ببطلان مبدأ العلية. وهذا بنفسه تطبيق حرفي لهذا المبدأ.
* الميكانيكية والديناميكية يترتب على ما سبق النتائج التالية:
أ - ان مبدأ العلية لا يمكن اثباته، والتدليل عليه بالحس، لأن الحس لا يكتسب صفة موضوعية، الا على ضوء هذا المبدأ. فنحن نثبت الواقع الموضوعي لأحاسيسنا. استنادا إلى مبدأ العلية، فليس من المعقول أن يكون هذا المبدأ. مدينا للحس في ثبوته. ومرتكزا عليه، بل هو مبدأ عقلي يصدق به الانسان، بصورة مستغنية عن الحس الخارجي.
ب - ان مبدأ العلية ليس نظرية علمية تجريبية، وانما هو قانون فلسفي عقلي فوق التجربة، لأن جميع النظريات العلمية تتوقف عليه. ويبدو هذا واضحا كل الوضوح، بعد أن عرفنا أن كل استنتاج علمي. قائم على