* المادة والبيولوجيا وخذ إليك بعد ذلك البيولوجيا، وعلم الحياة. فإنك سوف تجد سرا آخر من الاسرار الإلهية الكبرى، سر الحياة الغامض، الذي يملأ الوجدان البشري اطمئنانا بالمفهوم الإلهي، ورسوخا فيه. فقد انهارت في ضوء علم الحياة، نظرية التولد الذاتي، التي كانت تسود الذهنية المادية، ويعتقد بها السطحيون والعوام بصورة عامة، ويسوقون للاستشهاد عليها أمثلة عديدة، من الحشرات التي تبدو - في زعمهم وكأنها تولدت ذاتيا، تحت عوامل طبيعية معينة، دون أن تتسلل من أحياء أخرى، كالديدان التي تتكون في الأمعاء، أو في قطعة من اللحم إذا عرضت للهواء مدة من الزمان، ونحو ذلك من الأمثلة، التي كانت توحي بها سذاجة التفكير المادي. ولكن التجارب العلمية القاطعة، برهنت على بطلان نظرية التولد الذاتي، وان الديدان لم تكن لتتولد الا بسبب جراثيم الحياة، التي كانت تشتمل عليها قطعة اللحم...
وقد استأنفت المادية حملتها من جديد، لتركيز نظرية التولد الذاتي، حين صنع أول مجهر مركب، على يد (انطون فان لوينهوك)، فاكتشف به عالما جديدا من العضويات الصغيرة، واستطاع هذا المجهر، ان يبرهن على أن قطرة الماء من المطر، لا توجد فيها جراثيم، وانما تتولد هذه الجراثيم بعد نزولها إلى الأرض. فرفع الماديون أصواتهم وهللوا للنصر الجديد، في ميدان الحيوانات الميكروبية، بعد ان عجزوا عن اقصاء النطفة، وتركيز نظرية التوالد الذاتي في الحيوانات المرئية بالعين المجردة. وهكذا تراجعوا إلى الميدان، ولكن على مستوى اخفض، واستمر الجدال حول تكون الحياة بين الماديين وغيرهم، إلى القرن التاسع عشر، حيث وضع (لويس باستور) حدا لذلك الصراع، وأثبت بتجاربه العلمية، ان الجراثيم والميكروبات التي تعيش في الماء، كائنات عضوية مستقلة، ترد إلى الماء من الخارج ثم تتوالد فيه.
ومرة أخرى، حاول الماديون أن يتعلقوا بخيط من الامل الموهوم، فتركوا ميادين فشلهم إلى ميدان جديد. هو ميدان التخمير، حيث حاول بعضهم