المذهب التجريبي فهب أن 2 + 2 = 4 تعبير آخر عن قولنا أربعة هي أربعة فان هذا يعني أن هذه القضية الرياضية تتوقف على التسليم بمبدأ عدم التناقض والا فقد لا تكون الأربعة هي نفسها إذا كان التناقض ممكنا، وهذا المبدأ ليس في رأي المذهب التجريبي عقليا ضروريا لأنه ينكر كل معرفة قبلية وانما هو مستمد من التجربة كالمبادئ التي تقوم على أساسها القضايا العلمية في الطبيعيات، وهكذا تبقى المشكلة دون حل إذا ما دامت الرياضيات والعلوم الطبيعية تتوقف جميعا على مبادئ تجريبية فلماذا تمتاز قضايا الرياضيات على غيرها باليقين الضروري المطلق؟
وبعد فلسنا نقر بأن قضايا الرياضيات كلها تحليلية وامتداد لمبدأ أن أربعة هي أربعة. وكيف تكون الحقيقة القائلة أن القطر اقصر دائما من المحيط قضية تحليلية فهل كان القصر أو المحيط مندمجا في معنى القطر وهل هي تعبير آخر عن القول بأن القطر هو قطر.
ونخلص من هذه الدراسة إلى ان المذهب العقلي هو وحده المذهب الذي يستطيع ان يحل مشكلة تعليل المعرفة ويضع لها مقاييسها ومبادئها الأولية.
ولكن بقي علينا ان ندرس من المذهب العقلي نقطة واحدة وهي: أن المعلومات الأولية إذا كانت عقلية وضرورية، فكيف يمكن ان يفسر عدم وجودها مع الانسان منذ البداية وحصوله عليها في مرحلة متأخرة عن ولادته؟ وبكلمة أخرى ان تلك المعلومات إذا كانت ذاتية للانسان فيجب ان توجد بوجوده ويستحيل ان يخلو منها لحظة من حياته، وإذا لم تكن ذاتية لزم ان يوجد لها سبب خارجي لها وهو التجربة، وهذا ما لا يوافق عليه العقليون.
والواقع ان العقليين حين يقررون ان تلك المبادئ ضرورية في العقل البشري يعنون بذلك ان الذهن إذا تصور المعاني التي تربط بينها تلك المبادئ فهو يستنبط المبدأ الأول دون حاجة إلى سبب خارجي. ولنأخذ مبدأ عدم التناقض مثالا، ان هذا المبدأ - الذي يعني الحكم التصديقي بأن وجود الشيء وعدمه لا يجتمعان - ليس موجودا عند الانسان في لحظة وجوده الأولي، لأنه يتوقف على تصور الوجود، وتصور العدم، وتصور الاجتماع. وبدون تصور