أن من تلك المعارف معرفتنا بوجود العالم الموضوعي المستقل عنا، فان العقل يجد نفسه مضطرا إلى التصديق بوجود عالم خارجي على سبيل الاجمال ورفض كل شك في ذلك، مهما وقعت من مفارقات بين حسه والواقع، أو بين فكره والحقيقة، بل يعد التشكيك في وجود العالم المستقل ضربا من الجنون، ونخلص من مناقشاتنا للمثالية الفلسفية إلى أن الواقعية ترتكز على أساسين: الأول، الايمان بوجود كشف ذاتي للمعارف التصديقية، الثاني، الاعتقاد بقاعدة أساسية للمعرفة البشرية مضمونة الصدق بصورة ضرورية. وكلا هذين الأساسين قد وجدنا باركلي مضطرا إلى الاعتراف بهما، فإنه لولا الكشف الذاتي للمعرفة التصديقية لما عرف الاشخاص الآخرين، ولما كيف حياته على أساس وجودهم، ولولا وجود معارف مضمونة الصدق في التفكير البشري لما أمكنه أن يستدل على مزاعمه المثالية.
ب - المثالية الفيزيائية:
كانت الفيزياء قبل قرن من الزمان تفسر الطبيعة تفسيرا واقعيا ماديا تحكمه قوانين الميكانيك العامة. فالطبيعة واقعية عند الفيزيائيين بمعنى أنها موجودة بصورة مستقلة عن الذهن والشعور، وهي مادية أيضا لأن مرد الطبيعة في تحليلهم العلمي إلى جزئيات صلبة صغيرة لا تقبل التغير ولا الانقسام، وهي الجواهر المفردة التي نادى بها ديموقريطس في الفلسفة اليونانية، وهذه الجزئيات أو الكتل الأولية للطبيعة في حركة مستمرة. فالمادة هي مجموع تلك الجزئيات، والظاهرات الطبيعية فيها ناتجة عن انتقال تلك الكتل وحركتها في المكان.
ولما كانت هذه الحركة بحاجة إلى تفسير من العلم فقد فسرتها الفيزياء تفسيرا آليا كما تفسر الحركة في رقاص الساعة أو الأمواج الصوتية. وافترض وجود قوى في الكتل أو علاقات خاصة بين تلك الكتل. لمحاولة تكميل التفسير الآلي لظواهر الطبيعة. وهذه القوى والعلاقات بدورها يجب أن تخضع للتفسير الآلي أيضا فنشأ من ذلك في الفيزياء المفهوم الفرضي ل (الأثير)، وأسندت اليه عدة مهام كانتشار الضوء الذي افترض الأثير حاملا له عند