وسبب انبثاق هذه التصورات البسيطة في الادراك الانساني.
وهذه المسألة لها تاريخ مهم في جميع أدوار الفلسفة اليونانية والاسلامية والأوروبية، وقد حصلت عبر تاريخها الفلسفي على عدة حلول تتخلص في النظريات الآتية:
1 - نظريات الاستذكار الأفلاطونية:
وهي النظرية القائلة بأن الادراك عملية استذكار للمعلومات السابقة وقد ابتدع هذه النظرية أفلاطون وأقامها على فلسفته الخاصة عن المثل، وقدم النفس الانسانية، فكان يعتقد ان النفس الانسانية موجودة بصورة مستقلة عن البدن قبل وجوده، ولما كان وجودها هذا متحررا من المادة وقيودها تحررا كاملا أتيح لها الاتصال بالمثل - أي بالحقائق المجردة عن المادة - وأمكنها العلم بها، وحين اضطرت إلى الهبوط من عالمها المجرد للاتصال بالبدن والارتباط به في دنيا المادة، فقدت بسبب ذلك كل ما كانت تعلمه من تلك المثل والحقائق الثابتة، وذهلت عنها ذهولا تاما، ولكنها تبدأ باسترجاع ادراكاتها عن طريق الاحساس بالمعاني الخاصة والأشياء الجزئية، لأن هذه المعاني والأشياء كلها ظلال وانعكاسات لتلك المثل والحقائق الأزلية الخالدة في العالم الذي كانت تعيش النفس فيه. فمتى أحست بمعنى خاص انتقلت فورا إلى الحقيقة المثالية التي كانت تدركها قبل اتصالها بالبدن، وعلى هذا الأساس يكون ادراكنا للانسان العام أي لمفهوم الانسان بصورة كلية عبارة عن استذكار لحقيقة مجردة كنا قد غفلنا عنها، وانما استذكرناها بسبب الاحساس بهذا الانسان الخاص أو ذاك من الافراد التي تعكس في عالم المادة تلك الحقيقة المجردة.
فالتصورات العامة سابقة على الاحساس، ولا يقوم الاحساس الا بعملية استرجاع واستذكار لها، والادراكات العقلية لا تتعلق بالأمور الجزئية التي تدخل في نطاق الحس، وانما تتعلق بتلك الحقائق الكلية المجردة.
وهذه النظرية ترتكز على قضيتين فلسفيتين: إحداهما ان النفس موجودة قبل وجود البدن في عالم أسمى من المادة، والأخرى ان الادراك العقلي عبارة