وأما على رأينا في العلية، القائل انها مبدأ عقلي فوق التجربة، فالموقف يختلف كل الاختلاف من جوانب عديدة.
أولا: ان العلية لا تقتصر على الظواهر الطبيعية التي تبدو في التجربة بل هي قانون عام للوجود في مجاله الأوسع الذي يضم الظواهر الطبيعية ونفس المادة وما وراء المادة من ألوان الوجود.
ثانيا: ان السبب، الذي يحكم بوجوده مبدأ العلية، ليس من الضروري أن يخضع للتجربة، أو أن يكون شيئا ماديا.
ثالثا: ان عدم كشف التجربة، عن وجود سبب معين، لصيرورة ما أو لظاهرة ما، لا يعني فشل مبدأ العلية، إذ أن هذا المبدأ لم يرتكز على التجربة، ليتزعزع بسبب عدم توفرها. فبالرغم من عجز التجربة، عن استكشاف السبب، يبقى الوثوق الفلسفي بوجوده - طبقا لمبدأ العلية - قويا، ويرجع فشل التجربة في الكشف عن السبب إلى أمرين: اما قصورها وعدم أحاطتها بالواقع المادي، والملابسات الخاصة للحادثة، وأما أن السبب المجهول خارج عن الحقل التجريبي، وموجود فوق عالم الطبيعة والمادة.
وبما سبق، يمكننا ان نميز الفوارق الأساسية، بين فكرتنا عن مبدأ العلية، والفكرة الميكانيكية عنه. ونتبين ان الشك الذي أثير حول مبدأ العلية، لم يكن الا نتيجة لتفسيره على أساس المفهوم الميكانيكي الناقص.
* مبدأ العلية والميكروفيزياء نستطيع على ضوء النتائج، التي انتهينا إليها في مبدأ العلية، أن ندحض تلك الحملات الشديدة، التي شنت في الميكروفيزياء، ضد قانون الحتمية، وبالتالي ضد مبدأ العلية بالذات، فقد وجد في الفيزياء الذرية، الاتجاه القائل ان الضبط الحتمي، الذي تؤكد عليه العلية وقوانينها، لا يصح في مستوى الميكروفيزياء، فقد يكون من الصحيح، ان الأسباب ذاتها تولد النتائج نفسها، في مستوى الفيزياء المدرسية، أو فيزياء العين المجردة. وان تأثير