نعاصرها... إلى سبب، ليس هو حدوثها، ولا امكان ماهياتها، بل السر كامن في كنهها الوجودي، وصميم كيانها. فان حقيقتها الخارجية عين التعلق والارتباط، والتعلق أو الارتباط، لا يمكن ان يستغني عن شيء يتعلق به ويرتبط. ونعرف في نفس الوقت - أيضا - ان الحقيقة الخارجية، إذا لم تكن حقيقة ارتباطية وتعلقية، فلا يشملها مبدأ العلية. فليس الوجود الخارجي بصورة عامة محكوما بمبدأ العلية، بل انما يحكم مبدأ العلية على الوجودات التعلقية، التي تعبر في حقيقتها عن الارتباط والتعلق.
* التأرجح بين التناقض والعلية بالرغم من ان الماركسية اتخذت من تناقضات الديالكتيك شعارا لها في بحوثها التحليلية لكل مناحي الكون والحياة والتاريخ لم تنج بصورة نهائية من التذبذب بين تناقضات الديالكتيك ومبدأ العلية، فهي بوصفها ديالكتيكية، تؤكد ان النمو والتطور ينشأ عن التناقضات الداخلية كما مر مشروحا في البحوث السابقة، فالتناقض الداخلي هو الكفيل بأن يفسر كل ظاهرة من الكون دون حاجة إلى سبب أعلى، ومن ناحية أخرى تعترف بعلاقة العلة والمعلول وتفسر هذه الظاهرة أو تلك بأسباب خارجية وليس بالتناقضات المخزونة في أعماقها.
ولنأخذ مثالا لهذا التذبذب من تحليلها التاريخي، فهي بينما تصر على وجود تناقضات داخلية في صميم الظواهر الاجتماعية كفيلة بتطويرها ضمن حركة ديناميكية. تقرر من ناحية أخرى ان الصرح الاجتماعي الهائل يقوم كله على قاعدة واحدة، وهي قوى الانتاج، وان الأوضاع الفكرية والسياسية وما إليها، ليست الا بنى فوقية في ذلك الصرح، وانعكاسات بشكل وآخر لطريقة الانتاج التي قام البناء عليها. ومعنى هذا ان العلاقة بين هذه البنى الفوقية وبين قوى الانتاج هي علاقة معلول بعلة. فليس هناك تناقض داخلي وانما توجد علية (1).