* - 2 - الديالكتيك أو الجدل ان الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصة في البحث، وأسلوبا من أساليب المناظرة، التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية، ووجهات النظر المتعارضة، بقصد أن تحاول كل واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ، على ضوء المعارف المسلمة والقضايا المعترف بها سلفا. وهكذا يقوم الصراع بين النفي والاثبات في ميدان البحث والجدل، حتى ينتهي إلى نتيجة تتقرر فيها احدى وجهات النظر المتصارعة، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة، توفق بين الوجهات كلها، بعد اسقاط تناقضاتها، وافراز نقاط الضعف من كل واحدة منها.
ولكن الجدل في الديالكتيك الجديد، أو الجدل الجديد، لم يعد منهجا في البحث وأسلوبا لتبادل الآراء، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع. وقانونا كونيا عاما، ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود. فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب، بل هو ثابت في صميم كل واقع وحقيقة. فما من قضية الا وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها.
وكان هيجل أول من أشاد منطقا كاملا على هذا الأساس، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق، والقاعدة الأساسية التي يقوم عليها فهم جديد للعالم، وتنشأ به نظرية جديدة نحوه، تختلف كل الاختلاف عن النظرة الكلاسيكية، التي اعتادها البشر منذ قدر له ان يدرك ويفكر.
وليس هيجل هو الذي ابتدع أصول الديالكتيك ابتداعا، فان لتلك الأصول جذورا وأعماقا في عدة من الأفكار، التي كانت تظهر بين حين وآخر