مجردة عن المادة؟ وهذا السؤال الأساسي هو الذي يصوغ المشكلة الفلسفية، التي يجب على علم النفس الفلسفي دراستها ومعالجتها، وهو الذي ترد عليه المادية والميتافيزيقية، بجوابين متناقضين.
ويبدو الآن من الواضح جدا، ان السيكولوجيا العلمية - أي علم النفس التجريبي - لا تستطيع في هذا المجال، ان تؤكد على التفسير المادي للادراك، وتنفي وجود شيء في الحياة العقلية خارج المادة، كما تزعم الفلسفة المادية. لأن التجارب السيكولوجية - سواء منها الذاتية والموضوعية - لا تمتد إلى ذلك المجال.
* الادراك في مفهومه الفلسفي لنبدأ الآن بدراستنا الفلسفية للادراك - بعد أن أوضحنا مغزاها وصلاتها بمختلف الدراسات العملية - طبقا للمنهج الفلسفي في الدراسات النفسية، والذي يتلخص - كما ألمعنا اليه سابقا - في أخذ الحقائق العلمية، والمسلمات التجريبية وبحثها على ضوء القوانين والأصول المقررة في الفلسفة، لاستنتاج حقيقة جديدة، وراء ما كشفت عنه التجارب من حقائق.
ولنأخذ الادراك العقلي للصورة المبصرة، نموذجا حيا للحياة العقلية، العامة التي تتصارع حول تفسيرها الفلسفتان، الميتافيزية، والمادية فمفهومنا الفلسفي للادراك يرتكز:
أولا، على الخصائص الهندسية للصورة المدركة.
ثانيا: على ظاهرة الثبات، في عمليات الادراك البصري.
1 - (اما الأول) فنبدأ فيه من حقيقة بديهية، نأخذها من حياتنا اليومية، ومختلف تجاربنا الاعتيادية، وهي ان الصورة التي تتحفنا بها العملية العقلية للادراك البصري، تحتوي على الخصائص الهندسية، من الطول، والعرض، والعمق، وتبدو بمختلف الاشكال والحجوم. فلنفرض اننا زرنا حديقة تمتد آلاف الأمتار وألقينا عليها نظرة واحدة، استطعنا فيها ان ندرك