فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٧٥
اثباتها بالتجربة ولم يكن لنا مقياس غيرها لكان علينا ان نفحص جميع الاقسام والأنواع لنتأكد من صحة الحكم، وتكون النتيجة حينئذ قد درست في الكبرى بذاتها أيضا، وأما إذا كانت الكبرى من المعارف العقلية التي ندركها بلا حاجة إلى التجربة: كالأوليات البديهية والنظريات العقلية المستنبطة منها، فلا يحتاج المستدل لاثبات الكبرى إلى فحص الجزئيات حتى يلزم من ذلك أن تتخذ النتيجة صفة التكرار والاجترار (1).
ومن أخرى نؤكد على أننا لا ننكر على التجربة فضلها العظيم على الانسانية ومدى خدمتها في ميادين العلم، وانما نريد ان يفهم هؤلاء التجريبيون أن التجربة ليست هي المقياس الأول والمنبع الأساسي للأفكار والمعارف الانسانية، بل المقياس الأول والمنبع الأساسي هو المعلومات الأولية العقلية التي نكتسب على ضوئها جميع المعلومات والحقائق الأخرى، حتى ان التجربة بذاتها محتاجة إلى ذلك المقياس العقلي، فنحن والآخرون على حد سواء على ضرورة الاعتراف بذلك المقياس الذي ترتكز عليه أسس فلسفتنا

(1) ومن الغريب حقا ما حاوله الدكتور زكي نجيب محمود. من تركيز الاعتراض السابق الذكر على الاستدلال القياسي كما في قولنا: ((كل انسان فان ومحمد انسان فمحمد فان)) قائلا: ((قد تقول ولكن حين أعمم في المقدمة الأولى لا أريد الناس فردا فردا لان إحصاءهم على هذا النحو مستحيل، انما أريد النوع بصفة عامة، ولكن إذا كان أمرك كذلك فكيف استطعت ان تخصص الحكم على محمد، ان محمدا ليس هو النوع بصفة عامة انما هو فرد متعين متخصص، فحكمك عليه بما حكمت به على النوع بصفة عامة هو في حقيقة الامر قياس باطل)) المنطق الوضعي ص 250.
وهذا خليط عجيب بين المعقول الأول والمعقول الثاني في مصطلح المنطقيين. فان الحكم على النوع بصفة عامة يعني أحد أمرين: أولهما أن يكون الحكم على الانسان باعتبار صفة العموم والنوعية فيه، ومن الواضح ان هذا الحكم لا يمكن ان يخصص على محمد لان محمدا ليس فيه صفة العموم والنوعية. وثانيهما: ان يكون الحكم على ذات الانسان من دون إضافة أي تخصيص اليه. وهذا الحكم يمكن ان نطبقه على محمد لان محمدا انسان، فالحد الأوسط له معنى واحد تكرر في الصغرى والكبرى معا فيكون القياس منتجا.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست