ويساند النسبية الذاتية هذه الاتجاه الفيزيولوجي للمثالية القائل ان الاحساس لا يعدو أن يكون رمزا، وان الذي يحدد كيفيته ونوعيته ليس هو الشيء الخارجي بل طبيعة الجهاز العصبي.
والواقع أن السبب الأصيل الذي أتاح الظهور لهذه النسبية الذاتية هو التفسير المادي للادراك، واعتباره محتوى عملية مادية يتفاعل فيها الجهاز العصبي المدرك والشيء الموضوعي، كالهضم الذي تحققه عملية تفاعل خاص بين الجهاز الهاضم والمواد الغذائية. فكما ان الغذاء لا يتفاعل ولا يهضم الا باجراء عدة تصرفات وتطويرات عليه، كذلك الشيء الذي ندركه لا يتاح لنا ادراكه الا بالتصرف فيه والتفاعل معه.
وتختلف هذه النسبية عن نسبية (كانت) في نقطتين:
الأولى: انها تخضع جميع الحقائق للطابع النسبي الذاتي من دون استثناء، خلافا ل (كانت) إذ كان يعتبر المبادئ والمعارف الرياضية حقائق مطلقة. ف 2 + 2 = 4 حقيقة مطلقة لا تقبل الشك في رأي (كانت)، وأما في رأي النسبيين الذاتيين فيه حقيقة نسبية، بمعنى انها الشيء الذي تقتضيه طبيعة ادراكنا وجهازنا الخاص فحسب.
الثانية: ان الحقيقة النسبية في رأي النسبيين الذاتيين تختلف في الافراد، وليس من الضروري ان يشترك جميع الناس في حقائق معينة.
لأن لكل فرد دورا ونشاطا خاصا. فلا يمكن الحكم بأن ما يدركه فرد هو نفس ما يدركه الفرد الآخر ما دام من الممكن اختلافهما في وسائل الادراك أو طبيعته. واما (كانت) فالقوالب الصورية عنده قوالب فطرية تشترك فيها العقول البشرية جميعا، ولهذا كانت الحقائق النسبية مشتركة بين الجميع. وسوف يأتي في مستقبل دراساتنا الحديث عن التفسير المادي للادراك، الذي ارتكزت عليه النسبية الذاتية وتفنيده.
* الشك العلمي:
رأينا قبل ساعة ان الشك الذي تسرب إلى صفوف العلماء الطبيعيين حين