وبهذا يتضح ان جميع النظريات التجريبية في العلوم الطبيعية ترتكز على عدة معارف عقلية لا تخضع للتجربة. بل يؤمن العقل بها ايمانا مباشرا وهي:
أولا: مبدأ العلية بمعنى امتناع الصدفة، ذلك أن الصدفة لو كانت جائزة لما أمكن للعالم الطبيعي ان يصل إلى تعليل مشترك للظواهر المتعددة التي ظهرت في تجاربه.
ثانيا: مبدأ الانسجام بين العلة والمعلول الذي يقرر ان الأمور المتماثلة في الحقيقة لابد أن تكون مستندة إلى علة مشتركة.
ثالثا: مبدأ عدم التناقض الحاكم باستحالة صدق النفي والاثبات معا.
فإذا آمن العالم بهذه المعارف السابقة على التجربة ثم اجرى تجاربه المختلفة على أنواع الحرارة واقسامها، استطاع ان يقرر في نهاية المطاف نظرية في تعليل الحرارة بمختلف أنواعها بعلة واحدة كالحركة - مثلا - وهذه النظرية لا يمكن في الغالب تقريرها بشكل حاسم وصورة قطعية، لأنها انما تكون كذلك إذا أمكن التأكد من عدم امكان وجود تفسير آخر لتلك الظواهر وعدم صحة تعليلها بعلة أخرى. وهذا ما لا تحققه التجربة في أغلب الأحيان، ولهذا تكون نتائج العلوم الطبيعية ظنية في أكثر الأحايين، لأجل نقص في التجربة وعدم استكمال الشرائط التي تجعل منها تجربة حاسمة.
ويتضح لنا على ضوء ما سبق ان استنتاج نتيجة علمية من التجربة يتوقف دائما على الاستدلال القياسي، الذي يسير فيه الذهن البشري من العام إلى الخاص، ومن الكلي إلى الجزئي كما يرى المذهب العقلي تماما فان العالم تم له استنتاج النتيجة في المثال الذي ذكرناه بالسير من المبادئ الأولية الثلاثة التي عرضنا (مبدأ العلية) (مبدأ الانسجام) (مبدأ عدم التناقض). إلى تلك النتيجة الخاصة على طريقة القياس.
وأما الاعتراض الذي يوجهه التجريبيون إلى الطريقة القياسية في الاستدلال بان النتيجة فيها ليست الا صدى للكبرى من المقدمتين وتكريرا لها، فهو اعتراض ساقط على أصول المذهب العقلي، لان الكبرى لو كنا نريد