4 - المثاليون:
والمذهب المثالي عميق الجذور في تاريخ الفكر الانساني ومتعدد الأساليب، ولفظ المثالية هو أيضا من الألفاظ التي لعبت أدوارا مهمة عبر التاريخ الفلسفي، وتبلور في عدة مفاهيم فلسفية تبادلت عليه، وأكسبته بسبب ذلك لونا من الغموض والالتباس.
وقد ابتدأت المثالية دورها الأول في المصطلح الفلسفي على يد أفلاطون، حين قال بنظرية خاصة في العقل والعلم الانساني، وسميت تلك النظرية بنظرية (المثل الأفلاطونية)، فقد كان أفلاطون فيلسوفا مثاليا، ولكن مثاليته لم تكن تعني انكار الحقائق المحسوسة وتجريد الادراكات الحسية عن الحقائق الموضوعية المستقلة عن مجال التصور والادراك، بل كان يعتقد بموضوعية الاحساس، غير أنه ذهب إلى أكثر من ذلك فاعتقد بموضوعية الادراكات العقلية التي هي أعلى درجة من الادراكات الحسية مقررا أن الادراك العقلي - وهو أدراك الأنواع العامة كادراك معاني الانسان والماء والنور - ذو حقيقة موضوعية مستقلة عن التعقل، كما سبق ايضاحه في الجزء الأول من هذه المسألة.
وهكذا نعرف ان المثالية القديمة كانت لونا من ألوان الاسراف في الايمان بالواقع الموضوعي، لأنها آمنت بالواقع الموضوعي للاحساس - ادراك المعاني الخاصة بالحس - وللتعقل - ادراك المعاني بصورة عامة - ولم تكن انكارا للواقع أو شكا فيه.
واتخذت المثالية في التاريخ الحديث مفهوما آخر يختلف كل الاختلاف عن المفهوم السابق، فبينما كانت المثالية الأفلاطونية تؤكد على وجود الحقيقة الموضوعية للإدراكات العقلية والحسية معا جاءت المثالية في لونها الحديث لتزعزع أساس الواقع الموضوعي وتعلن عن مذهب جديد في نظرية المعرفة الانسانية تلغي به قيمتها الفلسفية. والمفهوم المثالي الجديد هو الذي يعنينا درسه ومعالجته في بحثنا هذا.
وقد اختلفت على هذا المفهوم ألوان متعددة وصياغات كثيرة، وتوسع