فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٥٢
أنور من القمر وان الذرة قابلة للانفجار (1) ونبدأ الآن بالتصورات البشرية لدرس أسبابها ومصادرها. وتتناول بعد ذلك التصديقات والمعارف.
* التصور ومصدره الأساسي:
ونقصد بكلمة ((الأساسي)) المصدر الحقيقي للتصورات والادراكات البسيطة. ذلك ان الذهن البشري ينطوي على قسمين من التصورات:
أحدهما المعاني التصورية البسيطة، كمعاني الوجود والوحدة والحرارة والبياض وما إلى ذلك من مفردات للتصور البشري، والقسم الآخر المعاني المركبة أي التصورات الناتجة عن الجمع بين تلك التصورات البسيطة. فقد نتصور (جبلا من تراب) ونتصور (قطعة من الذهب) ثم نركب بين هذين التصورين فيحصل بالتركيب تصور ثالث وهو (تصور جبل من الذهب). فهذا التصور مركب في الحقيقة من التصورين الأولين وهكذا ترجع جميع التصورات المركبة إلى مفردات تصورية بسيطة.
والمسألة التي نعالجها هي محاولة معرفة المصدر الحقيقي لهذه المفردات

(1) ولبعض الفلاسفة الحسيين (كجون ستوارت ميل) نظرية خاصة في التصديق حاولوا بها تفسيره بتصورين متداعيين. فمرد التصديق إلى قوانين تداعي المعاني، وليس المحتوى النفسي الا تصور الموضوع وتصور المحمول، ولكن الحقيقة ان تداعي المعاني يختلف عن طبيعة التصديق كل الاختلاف، فهو قد يتحقق في كثير من المجالات ولا يوجد تصديق، فالرجال التاريخيون الذين تسبغ عليهم الأساطير ألوانا من البطولات يقترن تصورهم في ذهننا بتصور تلك البطولات، وتتداعى التصورات، ومع ذك فقد لا تصدق بشيء من تلك الأساطير. فالتصديق اذن عنصر جديد يمتاز على التصور الخالص، وعدم التمييز بين التصور والتصديق في عدة من الدراسات الفلسفية الحديثة أدى إلى جملة من الأخطاء، وجعل عدة من الفلاسفة يدرسون مسألة تعليل المعرفة والادراك من دون ان يضعوا فارقا بين التصور والتصديق. وستعرف أن النظرية الاسلامية تفصل بينهما وتشرح المسألة في كل منهما بأسلوب خاص.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 49 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست