ولكن الواقع ان انكار مبدأ العلية لا يخفف من المشكلة التي تواجه لنظرية الحسية شيئا، فان انكار هذا المبدأ كحقيقة موضوعية يعني اننا نصدق بالعلية كقانون من قوانين الواقع الموضوعي، ولم نستطع ان نعرف ما إذا كانت الظواهر ترتبط بعلاقات ضرورية تجعل بعضها ينبثق عن بعض، ولكن مبدأ العلية كفكرة تصديقية شيء، ومبدأ العلية كفكرة تصورية شيء آخر، فهب أنا لم نصدق بعلية الأشياء المحسوسة بعضها لبعض ولم نكون عن مبدأ العلية فكرة تصديقية، فهل معنى ذلك أننا لا نتصور مبدأ العلية أيضا؟ وإذا كنا لا نتصوره فما الذي نفاه (دافيد هيوم) وهل ينفي الانسان شيئا لا يتصوره؟
فالحقيقة التي لا مجال لانكارها هي اننا نتصور مفهوم العلية سواء أصدقنا بها أم لا، ولس تصور العلية تصورا مركبا من تصور الشيئين المتعاقبين، فنحن حين نتصور عليه درجة معينة من الحرارة للغليان لا نعني بهذه العلية تركيبا اصطناعيا بين فكرتي الحرارة والغليان بل فكرة ثالثة تقوم بينهما. فمن اين جاءت هذه الفكرة التي لم تدرك بالحس إذا لم يكن للذهن خلاقية لمعان غير محسوسة؟!
ونواجه نفس المشكلة في المفاهيم الأخرى التي عرضناها آنفا، فهي جميعا ليست من المعاني المحسوسة، فيجب طرح التفسير الحسي الخالص للتصور البشري والأخذ بنظرية الانتزاع.
4 - نظرية الانتزاع:
وهي نظرية الفلاسفة الاسلاميين بصورة عامة. وتتلخص هذه النظرية في تقسيم التصورات الذهنية إلى قسمين: تصورات أولية. وتصورات ثانوية. فالتصورات الأولية هي الأساس التصوري للذهن البشري، وتتولد هذه التصورات من الاحساس بمحتوياتها بصورة مباشرة. فنحن نتصور الحرارة لأننا أدركناها باللمس، ونتصور اللون لأننا أدركناه بالبصر، ونتصور الحلاوة لأننا أدركناها بالذوق، ونتصور الرائحة لأننا أدركناها بالشم. وهكذا جميع المعاني