أكبر من الكل ووجود القمر حال انعدامه من ناحية أخرى. فان هذه القضايا جميعا لم تتحقق ولم تقم عليها تجربة. فلو كانت التجربة هي المصدر الرئيسي الوحيد للمعارف لما صح لنا أن نفرق بين الطائفتين لأن كلمة التجربة فيهما معا على حد سواء، وبالرغم من ذلك فنحن جميعا نجد الفرق الواضح بين الطائفتين، فالطائفة الأولى لم تقع ولكنها جائزة ذاتيا، وأما الطائفة الثانية فهي ليست معدومة فحسب بل لا يمكن ان توجد مطلقا، فالمثلث لا يمكن أن يكون له أضلاع أربعة سواء اصطدم القمر بالأرض أم لا.
وهذا الحكم بالاستحالة لا يمكن تفسيره الا على ضوء المذهب العقلي بأن يكون من المعارف العقلية المستقلة عن التجربة.
وعلى هذا الضوء يكون التجريبيون بين سبيلين لا ثالث لهما: فاما ان يعترفوا باستحالة أشياء معينة كالأشياء التي عرضناها في الطائفة الثانية واما أن ينكروا مفهوم الاستحالة من الأشياء جميعا.
فان آمنوا باستحالة أشياء كالتي المحنا إليها كان هذا الايمان مستندا إلى معرفة عقلية مستقلة لا إلى التجربة، لأن عدم ظهور شيء في التجربة لا يعني استحالته.
وان أنكروا مفهوم الاستحالة ولم يقروا باستحالة شيء مهما كان غريبا لدى العقل فلا يبقى على أساس هذا الانكار فرق بين الطائفتين اللتين عرضناهما وأدركنا ضرورة التفرقة بينهما، وإذا سقط مفهوم الاستحالة لم يكن التناقض مستحيلا - أي وجود الشيء وعدمه، وصدق القضية وكذبها في لحظة واحدة - وجواز التناقض يؤدي إلى انهيار جميع المعارف والعلوم وعدم تمكن التجربة من إزاحة الشك والتردد في أي مجال من المجالات العلمية، لأن التجارب والأدلة مهما تضافرت على صدق قضية علمية معينة كقضية (الذهب عنصر بسيط)، فلا يمكننا أن نجزم بأنها ليست كاذبة ما دام من الممكن ان تتناقض الأشياء وتصدق القضايا وتكذب في وقت معا.
الرابع: ان مبدأ العلية لا يمكن اثباته عن طريق المذهب التجريبي فكما ان النظرية الحسية كانت عاجزة عن اعطاء تعليل صحيح للعلية كفكرة