منها بحواسك ثم تصورتها في حال عدم وجود هذا الجوهر لم تر فرقا في الصورتين لأنك سوف لن تجد في كلتا الصورتين الا المعطيات الحسية من اللون والرائحة والنعومة... وما دمنا لم نجد في الصورة التي رسمناها لحال الصدق شيئا يميزها من الصورة التي رسمناها لحال الكذب، فالعبارة الفلسفية المذكورة كلام بدون معنى لأنه لا يفيد خبرا عن العالم. وكذلك الأمر في كل القضايا الفلسفية التي تعالج موضوعات ميتافيزيقية فإنها ليست كلاما مفهوما لعدم توفر الشرط الأساسي للكلام المفهوم فيها وهو امكان وصف الظروف التي يعرف فيها صدق القضية أو كذبها، ولذلك لا يصح أن توصف القضية الفلسفية بصدق أو كذب لان الصدق والكذب من صفات الكلام المفهوم، والقضية الفلسفية لا معنى لها لكي تصدق أو تكذب.
ويمكننا تلخيص النعوت التي تضفيها المدرسة الوضعية على القضايا الفلسفية كما يلي:
1 - لا يمكن اثبات القضية الفلسفية لأنها تعالج موضوعات خارجة عن حدود التجربة والخبرة الانسانية.
2 - ولا يمكن ان نصف الظروف التي ان صحت، كانت القضية صادقة والا فهي كاذبة. إذ لا فرق في صورة الواقع بين أن تكذب القضية الفلسفية أو تصدق.
3 - وهي لذلك قضية لا معنى لها، إذ لا تخبر عن العالم شيئا.
4 - وعلى هذا الأساس لا يصح ان توصف بصدق أو كذب.
ولنأخذ الصفة الأولى، وهي أن القضية الفلسفية لا يمكن اثباتها فإنها تكرار لما يردده أنصار المذهب التجريبي عموما، فإنهم يؤمنون بأن التجربة هي المصدر الأساسي والأداة العليا للمعرفة وهي لا تستطيع أن تمارس عملها على المسرح الفلسفي لان موضوعات الفلسفة ميتافيزيقية لا تخضع لأي لون علمي من ألوان التجربة، ونحن إذا رفضنا المذهب التجريبي وأثبتنا وجود معارف قبلية في صميم العقل البشري يرتكز عليها الكيان العلمي في مختلف حقول