فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٢٥٦
وعرف المادة بأنها: ((هي الواقع الموضوعي المعطى لنا في الاحساس)) (1).
أفيكون من مفهوم هذه التعاريف، ان لينين فصل الديالكتيك عن سائر أجزاء المعرفة البشرية من العلوم، ولم يعتقد باتصالها به؟ وانه نظر إلى المادة بصورة تجريدية، ودرسها متغاضيا عما فيها من ارتباطات وتفاعلات؟ كلا. فان التعريف لا يعني في كثير أو قليل، تخطي الارتباط القائم بين الأشياء واهماله، وانما يحدد لنا المفهوم، الذي نحاول الكشف عن روابطه وعلاقاته المتنوعة، ليسهل علينا التحدث عن تلك الروابط والعلاقات ودرسها.
النقطة الثانية: ان الارتباط بين أجزاء الطبيعة، لا يمكن أن يكون دوريا. ونقصد بذلك أن الحادثتين المرتبطتين - كالسخونة والحرارة - لا يمكن ان تكون كل منهما شرطا لوجود الحادثة الأخرى. فالحرارة لما كانت شرطا لوجود الغليان، فلا يمكن ان يكون الغليان شرطا لوجود الحرارة أيضا (2).
فكل جزء من الطبيعة - في سجل الارتباط العام - درجته الخاصة التي تحدد له ما يتصل به من شرائط تؤثر في وجوده، ومن ظواهر يؤثر هو في وجودها. واما ان يكون كل من الجزئين أو الحادثين سببا لوجود الآخر، ومدينا له بوجوده في نفس الوقت، فذلك يجعل الارتباط السببي دائريا يرجع من حيث بدأ وهو غير معقول.
وأخيرا، فلنقف لحظة عند انجلز، وهو يتحدث عن الارتباط العام، وتضافر البراهين العلمية عليه قائلا:

(1) ما هي المادية: ص 29.
(2) ولا يمكن ان يؤخذ التفاعل بين الأضداد الخارجية، دليلا على امكان ذلك لان التفاعل بين الأضداد الخارجية، لا يعني ان كل واحد منها شرط لوجود الآخر وسبب له، بل مرده في الحقيقة إلى اكتساب كل ضد صفة من الآخر. لم تكن موجودة عنده. فالشحنة السالبة والموجبة تتفاعلان، لا بمعنى ان كلا من الشحنتين وجدت بسبب الشحنة الأخرى، بل بمعنى ان الشحنة السالبة ولدت حالة انجذاب خاص في الشحنة الموجبة، وكذلك العكس.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست