اشكال ثلاثة: فاما ان تكون مجموعة من الصدف المتراكمة، بمعنى ان كل حادثة توجد باتفاق بحت، دون ان تكون هناك أي ضرورة تدعو إلى وجودها. وهذه هي النظرة الأولى. واما ان تكون اجزاء الطبيعة ضرورية، ضرورة ذاتية، فكل واحد منها يوجد بسبب من ضرورته الذاتية، دون احتياج إلى شيء خارجي، أو تأثر به. وهذه هي النظرة الثانية. وكلتا هاتين النظرتين لا تنسجمان مع مبدأ العلية القائل: ان كل حادثة ترتبط في وجودها بأسبابها، وشروطها الخاصة. لأن هذا المبدأ يرفض الصدفة والاتفاق، كما يرفض الضرورة الذاتية للحوادث. وبالتالي يعين نظرة أخرى نحو العالم، وهي النظرة التي يعتبر فيها العالم مرتبطا ارتباطا كاملا، طبقا لمبدأ العلية وقوانينها، ويحتل كل جزء منه موضعه الخاص من الكون، الذي تحتمه شرائط وجوده وقافلة أسبابه. وهذه هي النظرة الثالثة، التي تقيم الميتافيزيقية على أساسها فهمها للعالم. ولأجل ذلك كان سؤال: لماذا وجد؟ أحد الأسئلة الأربعة (1)، التي يعتبر المنطق الميتافيزيقي الإحاطة العلمية بشيء، مرهونة بمدى الجواب عليها، فهذا يعني بكل وضوح أن الميتافيزيقية لا تقر مطلقا امكان عزل الحادثة عن محيطها وشروطها، وتجميد السؤال عن علاقاتها بالحوادث الأخرى.
(٢٥٢)