التجربة، يواجه مشكلة العموم والشمول، وهي أن التجربة التي يرتكز عليها الاستنتاج، محدودة، فكيف تكون بمجردها دليلا على نظرية عامة؟ وعرفنا أيضا أن الحل الوحيد لهذه المشكلة. انما هو مبدأ العلية، باعتباره دليلا على تعميم الاستنتاج وشموله. فلو افترضنا أن مبدأ العلية نفسه مرتكز على التجربة، فمن الضروري أن نواجه مشكلة العموم والشمول مرة أخرى، نظرا إلى ان التجربة ليست مستوعبة للكون، فكيف تعتبر دليلا على نظرية عامة؟ وقد كنا نحل هذه المشكلة حين نواجهها، في مختلف النظريات العلمية، بالاستناد إلى مبدأ العلية، بصفته الدليل الكافي على عموم النتيجة وشمولها، وأما إذا اعتبر نفس هذا المبدأ تجريبيا، وواجهنا المسألة فيه، فسوف نعجز نهائيا عن الجواب عليه. فلابد اذن أن يكون مبدأ العلية فوق التجربة. وقاعدة أساسية للاستنتاجات التجريبية عامة.
ج - ان مبدأ العلية لا يمكن الاستدلال على رده، بأي لون من ألوان الاستدلال، لان كل محاولة من هذا القبيل، تنطوي ضمنا على الاعتراف به، فهو اذن ثابت بصورة متقدمة، على جميع الاستدلالات التي يقوم بها الانسان.
وخلاصة هذه النتائج، ان مبدأ العلية ليس مبدأ تجريبيا، وانما هو مبدأ عقلي ضروري.
وعلى هذا الضوء يمكننا أن نضع الحد الفاصل، بين الميكانيكية، والديناميكية، وبين مبدأ العلية، ومبدأ الحرية، فان التفسير الميكانيكي للعلية كان يقوم، على أساس اعتبارها مبدأ تجريبيا، فهي ليست في رأي الميكانيكية المادية الا رابطة مادية، تقوم بين ظواهر مادية في الحقل التجريبي، وتستكشف بالوسائل العلمية. ولأجل ذلك كان من الطبيعي، أن تنهار العلية الميكانيكية، إذا عجزت التجربة في بعض المجالات العلمية، عن الكشف عما وراء الظاهرة من علل وأسباب، لأنها لم تتم الا على أساس تجريبي، فإذا خانتها التجربة، ولم يبرهن عليها التطبيق العملي سقطت عن درجة الوثوق العلمي والاعتبار.