الصيرورات تحصل بحركة تدريجية متصاعدة. وحتى في المواد الكيماوية القابلة للانصهار، نجد اللونين من التطور معا. فكما يحصل فيها التطور بقفزة، كذلك قد يحصل بصورة تدريجية. فنحن نعلم - مثلا - ان المواد المتبلورة تتحول من حال الصلابة، إلى حالة السيولة بصورة فجائية، كالجليد الذي تساوي حرارة انصهاره (80) سعرة، فتتحول عند ذاك دفعة واحدة إلى سائل. وعلى عكس ذلك المواد غير المتبلورة، كالزجاج وشمع العسل، فإنها لا تنصهر ولا تتحول كيفيا، بصورة دفعية، وانما يتم انصهارها، تدريجيا. فالشمع - مثلا - ترتفع حرارته أثناء عملية الانصهار، حتى حتى إذا بلغت درجة معينة خفت فيه صلابة الشمع، وبدأ يلين ويسترخي بصورة تدريجية، مستقلة عن سائر الأشياء الأخرى، ويتدرج في حالة الليونة فلا هو بالصلب ولا هو بالسائل، حتى يستحيل مادة سائلة.
ولنأخذ مثلا آخر من الظواهر الاجتماعية وهو اللغة بوصفها ظاهرة تتطور وتتحول ولا تخضع لقانون الديالكتيك فان تاريخ اللغة لا يحدثنا عن تحولات كيفية آنية في سيرها التاريخي وانما يعبر عن تحولات تدريجية في اللغة من الناحية الكمية والكيفية فلو كانت اللغة خاضعة لقانون القفزات وتحول التغيرات الكمية التدريجية إلى تغير دفعي حاسم لكنا نستطيع أن نضع أصابعنا على نقاط فاصلة في حياة اللغة، تتحول فيها من شكل إلى شكل نتيجة للتغيرات الكمية البطيئة، وهذا ما لا نجده في كل اللغات التي عاشها الانسان واستخدمها في حياته الاجتماعية.
فنستطيع أن نعرف اذن، على ضوء مجموعة ظواهر الطبيعة، ان القفزة والدفعية ليستا ضروريتين للتطور الكيفي، وان التطور كما يكون دفعيا، يكون تدريجيا أيضا.
ولنأخذ بعد ذلك المثال المدرسي السابق، مثال الماء، في انجماده وغليانه، فنلاحظ عليه:
أولا: ان الحركة التطورية التي يحتويها المثال، ليست حركة ديالكتيكية لان التجربة لا تبرهن على انبثاقها، عن تناقضات المحتوى الداخلي للماء، كما