(والثاني) قول أكثر المحققين من المتكلمين واختيار أبي الحسين البصري وهو أنه في هذا البدن أجزاء أصلية باقية من أول العمر إلى آخره من غير أن يتطرق إليها شئ من التغيرات بالزيادة والنقصان، وفيه أجزاء عارضة تبعية تزيد وتنقص، فالانسان المشار إليه بقوله " أنا " هو عبارة عن تلك الأجزاء الأصلية دون الفاضلة.
وأما القائلون بأنه جسماني: فمنهم من قال هو عبارة عن الحياة، ومنهم من قال عبارة عن التخطيط والشكل، إلى غير ذلك.
وأما القائلون بأنه ليس بجسم ولا بجسماني فهم جمهور الفلاسفة، ومن قدماء المعتزلة معمر بن عباد والمفيد من الإمامية، ومن المتأخرين الغزالي وأبو القاسم الراغب.
والمختار أنه عبارة عن أجزاء أصلية باقية من أول العمر إلى آخره.
لنا: إنه إما أن يكون جسما غير ما ذكرنا أو عرضا أو لا جسما ولا عرضا أو مركبا من هذه الأقسام، والأقسام الثلاثة الأخيرة باطلة، فتعين الأول.
إنما قلنا أنه يستحيل أن يكون عرضا لأنه إما أن لا يكون عبارة عن نفس الحياة أو ما هو مشروط بها أو يكون، والأول باطل الضرورة والاتفاق، وأما الثاني فلأنه لو كان عبارة عن أحدهما لزم من عدم الحياة أن لا يصل إلى مستحق ثواب ولا عقاب، لكن اللازم قبيح غير جائز في الحكمة فيمتنع ملزومه. وأما الملازمة: فلما سنبين من امتناع إعادة المعدوم.
وإنما قلنا أنه يستحيل أن يكون لا جسما ولا عرضا لأنه يكون حادثا، لما دللنا على أن كل ممكن محدث، وقد ثبت في أصول الفلاسفة أن كل حادث فهو مشروط بمادة أو ما يقوم مقامها، وثبت أن هذا الجوهر عندهم مشروط