الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله " (1) الآية. وهو معلوم بالتواتر أيضا.
وأما إنهم عجزوا عن معارضته فلأنهم لو كانوا قادرين على ذلك لما عدلوا عنه إلى قتل أنفسهم وإتلاف أموالهم في محاربته وإطفاء مقالته، لكن اللازم باطل فالملزوم كذلك. بيان الملازمة: إن غرضهم الأكثر من محاربته ليس إلا دفع مقالته، وقد كان الاتيان بمثل القرآن لو أمكن مع سهولة الكلام عليهم وعلو درجاتهم في الفصاحة والبلاغة كافيا في دفعه وإسكاته، فلو كانوا قادرين على دفعه من تلك الجهة مع سهولتها عليهم لما عدلوا عنها إلى الأشق الذي هو قتل النفوس في الحرب، والعلم به ضروري.
وأما بطلان اللازم: فظاهر.
وأما إنهم لما عجزوا عن معارضته كان معجزا فلصدق حد المعجز حينئذ عليه، وأما موافقته لدعواه فمعلوم بالتواتر أيضا.
(الثاني) لو سلمنا أن القرآن لم يبلغ إلى حد الإعجاز إلا أنه لا نزاع في كونه كتابا شريفا بالغا في الفصاحة والاشتمال على العلوم الكثيرة الشريفة من المباحث الإلهية وعلوم الأخلاق وعلم السلوك إلى الله تعالى وعلم أحوال القرون الماضية.
ثم إن محمدا عليه السلام نشأ في مكة، وهي خالية عن العلماء والكتب والمباحث الحقيقية، ولم يسافر إلا مرتين في مدة قليلة، وعلم من حاله في سفره وحضره أنه لم يواظب على القراءة والاستفادة من أحد، وانقضى من عمره أربعون سنة على هذه الصفة، ثم بعدها ظهر مثل هذا الكتاب الشريف على لسانه