ذلك مشاهدا لنا (وأما الصور الأخرى) يعني بها ما يشمل الثانية والثالثة إذ هما من واد واحد (فإن ذلك) أي التمسك بها (مبني على اشتراط البنية) في الحياة (وهو ممنوع عندنا) كما مر (فلا بعد في أن تعاد الحياة إلى الأجزاء) المتفرقة (أو بعضها وإن كان خلاف العادة فإن خوارق العادة غير ممتنعة في مقدور الله تعالى) كما سلف تقريره (المقصد الثاني عشر) في أن جميع ما جاء به الشرع من الصراط والميزان والحساب وقراءة الكتب والحوض المورود
وشهادة الأعضاء) كلها (حق) بلا تأويل عند أكثر الأمة (والعمدة في إثباتها إمكانها في نفسها إذ لا يلزم من فرض وقوعها محال لذاته مع إخبار
الصادق عنها وأجمع عليه المسلمون قبل ظهور المخالف ونطق به الكتاب نحو قوله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون وقوله والوزن يومئذ الحق وقوله ونضع الموازين القسط
ليوم القيامة) فقد ثبت بما ذكر الصراط والميزان بل ثبت أيضا السؤال الذي هو قريب من الحساب (وقوله فسوف يحاسب حسابا يسيرا مع الاجماع على تسمية
يوم القيامة يوم الحساب) فهذا الاجماع يؤيد الآية الدالة على ثبوت الحساب (وقوله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه وقوله اقرأ كتابك) فقد ثبت بها قراءة الكتب (وقوله يوم
تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) فتحققت به
شهادة الأعضاء (وقوله إنا أعطيناك الكوثر) فإنه يدل على الحوض (مع قوله) عليه السلام يعني أنه نطق بما ذكرناه الكتاب مع السنة أيضا
____________________
على المنكرين لا لهم وأجيب بأن المراد الأولى بالنسبة إلى ما يتوهم في الجنة (قوله فإنه يدل على الحوض) اختلفوا في أن الحوض هل هو الكوثر أو غيره استدل على على الأول بما روي عنه عليه السلام أنه قال في أثناء حديث أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم قال عليه السلام فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي الحديث وقال القاضي الكوثر نهر في الجنة وقيل حوض فيها واستدل على الثاني بأن الكوثر في الجنة اتفاقا والحوض فيها يقال في المحشر يدل عليه ما روي عن أنس رضي الله عنه قال سألت النبي عليه السلام أن يشفع لي يوم القيامة فقال صلى الله عليه وسلم أنا فاعل فقلت يا رسول الله فأين أطلبك قال عليه السلام اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اطلبني عند الميزان قلت فإن لم ألقك قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اطلبني عند الحوض فإني لا أخطى هذه المواطن الثالثة وبالجملة وجود الكوثر يدل على وجود الحوض لأنه إما نفس الكوثر أو مستمد منه ينصب فيه ماؤه كما روي في بعض الأحاديث ثم إنه قيل إن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار وقيل إن من يشرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك ظاهر لأن